يبدأ طلاب المدارس في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية في اليمن العام الدراسي اليوم الأحد، في ظل تحديات وصعوبات تواجهها العملية التعليمية في بلد يعاني من حرب متواصلة منذ عام 2015. وبدات عملية القيد والتسجيل في 4 أغسطس/ آب.
وحسب التقويم الدراسي الصادر عن وزارة التربية والتعليم في عدن، تحدد بدء اختبارات النقل للفصل الدراسي الثاني في 13 إبريل/ نيسان 2025، وموعد اختبارات الشهادة الثانوية العامة بقسميها العلمي والأدبي في 4 مايو/ أيار 2025.
ويختلف هذا التقويم عن ذلك الذي أعلنته وزارة التربية والتعليم في مناطق سيطرة الحوثيين، والتي باتت تستخدم التاريخ الهجري، وحددت بدء العام الدراسي في 7 محرم 1446 الموافق 13 يوليو/ تموز الماضي، وموعد اختبارات الشهادة العامة للمرحلة الثانوية بقسميها العلمي والأدبي في 7 شوال الموافق 5 إبريل/ نيسان 2025، واختبارات الشهادة العامة للمرحلة الأساسية في اليوم التالي.
وعموماً ينعكس الانقسام السياسي بين حكومتي عدن وصنعاء على العملية التعليمية، إذ تديرها وزارتين للتربية والتعليم بنظامين مختلفين يتضمنان تقويمين مدرسيين ومنهجين وإدارتين مختلفتين.
ويعاني كثير من اليمنيين من عدم القدرة على توفير كلفة الدراسة. يقول عبد الحكيم لطف لـ"العربي الجديد": "دفعني الوضع الاقتصادي الصعب إلى عدم تدريس أطفالي، فأنا أزاول أعمالاً حرة في ظل ندرة الفرص، في حين أن تكاليف الدراسة مرتفعة، لذا أوقفتهم عن الدراسة لمزاولة العمل من أجل توفير لقمة العيش".
وتقول أم هشام لـ"العربي الجديد": "اضطررت لسحب ملفات أطفالي من المدرسة الأهلية بعدما دفعت 750 ألف ريال (400 دولار) كرسوم دراسية العام الماضي، ثم ارتفع المبلغ إلى 1.05 مليون (530 دولاراً) هذا العام. زوجي أصبح بلا عمل، ولا يوجد مدرسة حكومية قريبة من مكان سكننا، وأنا عاجزة عن إيجاد أي حل لتدريس أطفالي".
وفي ما يتعلق بالبنى التحتية، خرجت ثلاثة آلاف مدرسة من الخدمة بسبب استخدامها لأغراض عسكرية من قبل الأطراف المتحاربة، أو لإيواء نازحين ولاجئين، ما زاد عدد الأطفال خارج المدرسة من 1.6 مليون قبل الحرب إلى 2.05 مليون عام 2021.
وبحسب إحصاءات منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" دمّرت 2916 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل أربع مدارس) أو تضررت جزئياً أو جرى استخدامها لأغراض غير تعليمية نتيجة سنوات من النزاع الذي شهدته البلاد منذ عام 2015.
ويعاني التلاميذ من عدم توفر الكتاب المدرسي، في ظل غياب مطابع خاصة في مناطق الشرعية تحديداً، وتسخير المطابع المتوفرة في صنعاء لخدمة فكر وتوجه الحوثيين.
وأدى ذلك إلى أزمة في الكتاب المدرسي الذي بات يُباع في الأسواق بمبالغ باهظة، في حين تطبعه بعض المدارس وتبيعه للطلاب. وتفاقمت الأزمة بسبب نقص التمويل وتعليق "يونيسيف" لفترة طويلة دعم طباعة الكتاب المدرسي، بعدما اهِتمت بدعم عملية تغيير المناهج التي نفذها الحوثيون، وأيضاً بسبب وقف أموال المانحين.
وتعاملت المدارس مع نقص توفر الكتاب المدرسي عبر توزيع كتب متهالكة، وكتاب واحد لتلميذين. كما اشترطت مدارس على تلاميذ تسليم كتبهم السابقة إلى الجدد. أيضاً تعرّضت المناهج الدراسية لحزمة تعديلات نفذتها جماعة الحوثيين في مناطق سيطرتها لمنح دروس طائفية، ونشر ثقافة الموت والترويج لها.
وحذفت بالتالي شخصيات وطنية وتاريخية من هذه المناهج، واستبدلتها بقيادات في الجماعة وشخصيات تاريخية يمجدها فكر الجماعة مثل فاطمة الزهراء، وزيد بن علي، والأشتر النخعي، وحسين الحوثي، وصالح الصماد، وغيرهم.
إلى ذلك مثّل النزوح أحد أبرز العوامل التي أثرّت سلباً على العملية التعليمية، إذ حُرم ملايين الأطفال من استكمال تعليمهم.
وتفتقر أكثر من نصف مخيمات النزوح إلى خدمات تعليم. وتفيد بيانات بأن خدمات التعليم الفعّالة تغطي نحو 8% فقط من مخيمات النزوح، في حين يحصل 38.87% في الأطفال على خدمات تعليم غير كافية، أما النسبة الكبرى من مخيمات النزوح التي تزيد عن 53% فلا تتوفر أي خدمات تعليم فيها".
كذلك شهدت سنوات الحرب نزيفاً حاداً للكوادر التعليمية، سواء في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي أو الجامعي. وبسبب عدم صرف المرتبات في المناطق الخاضعة لسلطة الحوثيين وتدني المرتبات في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، ترك بعض المعلمين وظائفهم، ومارسوا مهناً ووظائف أخرى.
وعلى صعيد تمويل التعليم، لم يتقاضَ المعلمون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون مرتبات منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2016، وهم يمثلون أكثر من ثلثي المعلمين (نحو 172 ألفاً) في اليمن.
بدورهم يعاني المعلمون في مناطق الحكومة الشرعية من مشكلة تدني قيمة الأجور، فالمعلم الذي يقبض 100 ألف ريال (52 دولاراً) حالياً كان راتبه 467 دولاراً قبل الحرب. ومن بين الإشكاليات التي يواجهها التعليم في اليمن عدم تجديد الكادر التعليمي، ووصول عدد كبير من أفراده إلى سن التقاعد بعدما توقف التوظيف منذ عام 2012، بالتزامن مع قلة المتخرجين من كليات التربية في الجامعات.
وقد أدت ظروف الحرب إلى انخفاض معدلات التحاق الطلاب بالجامعات وصولاً إلى أرقام حرجة خاصة في كليات العلوم الإنسانية، حيث لا يتجاوز عددهم واحدا أو اثنين في بعض الأقسام. ويُلاحظ عموماً عزوف الشباب عن الالتحاق بالجامعات في ظل الافتقار إلى أساس تعليمي قوي ومحدودية فرص العمل. على سبيل المثال بلغ عدد الطلاب المسجلين في قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة صنعاء 26 عام 2023. والوضع أسوأ بكثير بالنسبة إلى معدلات التحاق الطلاب بقسمي الفلسفة والتاريخ، حيث ضم كل منها طالباً واحداً في السنة الأولى.
وتواجه كليات التربية في غالبية الجامعات المشكلة نفسها، وبلغ عدد الطلاب الملتحقين بكلية التربية في جامعة شبوة 200 في العام الدراسي 2022 - 2023 مقارنة بـ2100 في العام الدراسي 2014 – 2015.
وفي كلية التربية بجامعة عدن انخفض عدد المسجلين من 2276 في العام الدراسي 2009 -2010 إلى 99 في العام الدراسي 2022 – 2023، ما يعكس تسرباً هائلاً من الكليات الإنسانية. وخلال العقد الأول من القرن الـ21، بلغ متوسط الإنفاق الحكومي على قطاع التعليم العام نحو 5% من إجمالي الناتج المحلي، ونحو 14% من إجمالي النفقات العامة للدولة، وكانت نحو 90% من نفقات التعليم جارية. وبالتأكيد تراجعت هذه المخصصات في سنوات الحرب، رغم أنه لم تعلن أي موازنة عامة للدولة بشكل رسمي.
وبحسب تقرير التنمية الإنسانية العربية الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2022، شهدت سنوات الحرب تراجعاً كبيراً في معدلات الالتحاق بالتعليم الثانوي، وبلغ نحو 52% من إجمالي عدد التلاميذ، ونسب تسرّب من التعليم الابتدائي في اليمن تعتبر الأعلى عربياً، وتقدّر بنحو 30.5%".
وتشير تقارير إلى أن أكثر من مليونين و661 ألف طفل يمني في سن التعليم خارج المدارس، بينهم مليون و410 آلاف فتاة ومليون و251 ألف من الذكور. وتشكل هذه النسبة نحو ربع عدد الأطفال اليمنيين في سن التعليم المقدّر بـ10.8 ملايين، أي طفل من كل أربعة. وتتحدث "يونيسف" عن أن "الصراع في اليمن أعاق حصول 8.1 ملايين طفل على التعليم، ما يعرّض مستقبلهم للخطر.
واستنادا إلى آخر مسح تربوي شامل أجرته وزارة التربية والتعليم عام 2020، بلغ عدد التلاميذ الملتحقين بالتعليم العام نحو 6 ملايين، منهم 4 ملايين و900 ألف في التعليم الأساسي، و690 ألف في التعليم الثانوي.
وبحسب هذه الإحصاءات يشكل عدد تلاميذ مناطق الريف في التعليم الأساسي أكثر من 3.5 ملايين، بمعدل 67% من إجمالي عدد طلاب المرحلة الأساسية. ويتوزع هؤلاء التلاميذ على نحو 16800 مدرسة.
وتحدد إحصاءات نسبة الطلاب الذين يلتحقون بالجامعات والكليات ومعاهد التعليم العالي من خريجي الثانوية العامة بـ48%. ويذهب طلاب غير قادرين على الالتحاق بالجامعات والكليات الخاصة بسبب التكاليف الباهظة، إلى العمل مبكراً كي يعيلوا أسرهم، ويواجه آخرون عقبات تمنع استمرارهم في الدراسة في مقدمها سياسات التعليم الجامعي الخاصة بنسب القبول والتسجيل وإجراءات المفاضلة.
وعلى صعيد الكوادر التعليمية والإدارية تذكر بيانات أن 203 آلاف معلم لديهم جداول دراسية، في حين يبلغ عدد الإداريين العاملين في الإدارات المدرسية 27 ألفاً لا يملك معظمهم معايير كفاءة علمية وإدارية مناسبة.
وبينما يبلغ عدد المدرسين الذين يحملون مؤهِلات ثانوية عامة غير تربوية 26 ألفاً، بمعدل 11.5% من إجمالي عدد المعلمين، يبلغ عدد من يحملون دبلوم معلمين بعد الأساسي 47 ألفاً، أي بمعدل 20% من إجمالي المعلمين. أما عدد الذين يحملون دبلوماً بعد الثانوية العامة فهو 51 ألفاً، بنسبة 22% من إجمالي المعلمين، فيما يصل عدد الذين يحملون مؤهلاً جامعياً بكالوريوس فعددهم أكثر من 105 آلاف، أي بمعدل 46% من إجمالي عددهم. تقول الخبيرة التربوية ميادة محمد لـ"العربي الجديد" إن "عدم عزل العملية التعليمية عن الصراع الحاصل كان من أهم أسباب تدهورها.
وفي ظل وجود إدارتين تربويتين في صنعاء وعدن حُرم معلمون من رواتبهم ما أدى إلى نقص كبير في الكادر التعليمي، لأن معظمهم تركوا أعمالهم للبحث عن مهن أخرى من أجل توفير لقمة العيش. كما التحق عدد كبير منهم في صفوف كيانات مسلحة تابعة للشرعية أو للحوثيين، كما أوقفت عملية التوظيف الرسمي للمعلمين".
وتضيف أن "هناك تجريفاً للعملية التعليمية خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين من خلال إخضاع المناهج الدراسية للطائفية، وبث الفكر الحوثي فيها، واستخدام المدارس للتجنيد والتعبئة العامة، ما يعني أننا أمام جيل مفخخ بأفكار ثقافة الموت".