أثارت ضريبة القات في محافظة تعز جنوب غرب اليمن، جدلاً واسعاً بعد مضاعفتها أخيراً، إذ كشفت مصادر أنها باتت رافداً لجيوب قيادات عسكرية ومحلية في المحافظة.
وقالت مصادر في السلطة المحلية إن قيادة محور تعز التابع للقوات الحكومية والألوية العسكرية في المحافظة "تقوم بنهب ضرائب القات تحت مبرر استكمال عملية تحرير المحافظة، على الرغم من توقف الأعمال العسكرية منذ هدنة إبريل/نيسان 2022 برعاية أممية".
وأضافت المصادر أنه بعد مطالبات السلطة المحلية وضغط قيادات الأحزاب على قيادة محور تعز والألوية التابعة لها، تم إجبارها على الكف عن نهب إيرادات المحافظة وتوريدها إلى حساب البنك المركزي بالمحافظة، غير أن قيادة المحور أجبرت متعهد الضرائب على رفع الضريبة بنسبة 100% بهدف مضاعفة المبلغ.
وأوضحت أن "الاستخلاص اليومي من ضرائب القات بات يصل إلى 17 مليون ريال، يتم توريد 8 ملايين ريال منها فقط إلى السلطة المحلية، بينما تتقاسم القيادات العسكرية المبلغ المتبقي".
وتُعد ضريبة القات إحدى الموارد المحلية غير المركزية في محافظة تعز، كما تعد موردا ماليا هاما، إذ تصل إلى مليارات الريالات سنوياً (الدولار يعادل 1920 ريالا في مناطق سيطرة الحكومة). والقات نبتة خضراء من أوراق شجر تمضغ و"تخزن" في الفم، ولها تأثير المخدر بدرجة متوسطة تعطي شعوراً بالنشاط، ويتعاطاها اليمنيون بشكل واسع ويومي.
ولا يزال القات السلعة الوحيدة التي لم تتأثر بالحرب في اليمن، بل تشهد أسواقه إقبالاً متزايداً من التجار والمستهلكين.
وكشفت بيانات صادرة عن البنك الدولي مؤخراً، عن ارتفاع المساحة المخصصة لزراعة القات في اليمن بنسبة تزيد على 40% خلال الفترة من 2016 إلى 2022. ولا توجد تقديرات دقيقة حاليا حول إنفاق اليمنيين على القات رغم تزايد تجارة هذه النبتة، إلا أن بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء قبل الحرب كانت تشير إلى إنفاق نحو 149 مليار ريال (ما يعادل حينذاك 693 مليون دولار وفق سعر الصرف البالغ 215 ريالا للدولار الواحد).
كان تقرير حديث أصدره مركز الشفافية للدراسات والبحوث (غير حكومي)، قدّر إنفاق اليمنيين على القات سنوياً بأكثر من التقديرات الحكومية بأرقام مضاعفة، إذ أشار إلى بلوغه 3.87 مليارات دولار، لافتا إلى أن نحو سبعة ملايين مواطن يتناولون القات، بينهم نصف مليون يدخنون السجائر أثناء التعاطي.
وفي ظل الانتشار الواسع لتجارة القات، فإنه يعد مصدر دخل لنسبة كبيرة أيضا من السكان تتراوح بين 20% و30%، وبفعل عائداته الكبيرة فقد ارتفعت نسبة العاملين في القات بشكل كبير من إجمالي العاملين في القطاع الزراعي.
وكشفت دراسة أعدتها وزارة الزراعة اليمنية، أن القات يساهم بنحو 33% من الناتج الزراعي، لافتة إلى أن 72% من الرجال و33% من النساء فوق الـ12 سنة معتادون على مضغ نبتة القات، و42% من المستهلكين الذكور معتادون على ذلك بمعدل 5-7 أيام أسبوعيا.
وترجع قضية ضريبة القات إلى نحو ثلاث سنوات ماضية، ففي 10 سبتمبر/أيلول 2021، سيطرت قوات عسكرية على نقاط التحصيل التابعة لأحد متعهدي الضريبة، وطردت المتحصلين منها، وخلال مدة استمرت سبعة أشهر فقط فقدت المالية العامة أكثر من مليار ريال، حيث استمرت عملية النهب حتى 30 إبريل/نيسان 2022، وفق مدير مكتب ضرائب تعز السابق، فهمي العريقي. لكن السلطة المحلية ومكتب مصلحة الضريبة فطنت إلى الأمر، وشرعت في إلزام متعهد الضريبة بتحصيل 11 مليون و200 ألف ريال يومياً وفقًا لعقد أُبرم في سبتمبر/أيلول 2023، استمر العمل به حتى أواخر مايو/أيار 2024. ثم ألزمت وزارة المالية قيادة السلطة المحلية في تعز بعقد جديد مع متعهد الضريبة، تم بموجبه رفع التوريد اليومي إلى 15 مليونا و200 ألف ريال. وقال أحد الموظفين في مكتب ضرائب تعز، طلب عدم الكشف عن هويته، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "ضريبة القات وفقا للقانون يجب أن يتم تحصيلها من قبل موظفين في مصلحة الضرائب، ووفق دراسات لتقدير سقف التوريد اليومي، وبسندات تحصيل خاصة بوزارة المالية، لكن القيادات العسكرية وقيادات السلطة خالفوا القانون، وأتوا بمتحصلين من خارج المصلحة مقابل عمولات مالية يحصل عليها هؤلاء المسؤولون".
وأضاف الموظف أن قيادات عسكرية وأخرى في السلطة المحلية بالمحافظة يشترطون نسبة تصل إلى أكثر من 40% كعمولات يدفعها لهم كل متعهد بتحصيل ضريبة القات خارج بنود العقد المبرم".
وكانت وثيقة رسمية قد كشفت عن استمرار محور تعز العسكري بالسطو على ضريبة القات في المحافظة، ورفض توريدها إلى خزينة الدولة. جاء ذلك في خطاب وجّهه المتعهد الرسمي لتحصيل ضريبة القات في تعز إلى مدير عام مكتب الضرائب بالمحافظة، كشف فيه استمرار السطو والاستيلاء على ضريبة مبيعات القات من قبل قيادة محور تعز والألوية التابعة لها.
وأوضح الخطاب أن قيادة المحور والألوية التابعة لها لا تزال مستمرة في السطو على ضريبة القات منذ أواخر شهر مايو/أيار حتى نهاية يونيو/حزيران الماضيين.
وأكد الخطاب أن قيادة المحور مستمرة في ذلك، على الرغم من البلاغات المتكررة من قبله إلى قيادة السلطة المحلية بالمحافظة، من دون وجود أي إجراءات ملموسة من قبلها أو من قبل مكتب مصلحة الضرائب لمعالجة الأمر. وشدد المتعهد الرسمي لتحصيل ضريبة القات على أن ما تقوم به قيادة محور تعز أعاقه عن تحصيل الضريبة المقررة وتوريدها إلى خزينة الدولة، محملاً مكتب مصلحة الضرائب المسؤولية في ذلك. لكن وزير المالية سالم بن بريك وجّه، في وثيقة صادرة عنه في يوليو/تموز الماضي، رئيس مصلحة الضرائب بإيقاف متعهد ضريبة القات في محافظة تعز عن التحصيل واتخاذ إجراءات قانونية ضده. وأشار الوزير إلى مراسلات صادرة من مكتبي الضرائب والمالية في تعز إلى المحافظ، تضمنت العديد من الاختلالات من قبل متعهد الضريبة القائم في تعز، ومنها أن التحصيل الفعلي لضريبة القات في مديرية المخا وحدها يبلغ 5 ملايين ريال يومياً، في الوقت الذي يشير فيه المتعهد إلى أنه يتحصل نصف هذا المبلغ فقط.
وأشار الوزير إلى قيام المتعهد الرسمي بالتعاقد مع متعهد آخر بالتحصيل بنقطة الهنجر "أي متعهد من الباطن"، مضيفا أن المتعهد لم يقم بالتوريد منذ مطلع يوليو، وكذا متأخرات خلال أسبوع من أواخر مايو/أيار ومطلع يونيو/حزيران، مؤكداً أن المبالغ التي لم تورد تجاوزت نصف مليار ريال.
كما وجّه وزير المالية رئيس مصلحة الضرائب بتكليف من يراه من موظفي المصلحة بالتحصيل أو تفويض المكتب بذلك ابتداء من 29 يوليو/تموز الماضي، على أن يكون المبلغ المبدئي للتحصيل 17 مليون ريال يصل خلال عشرة أيام من تاريخ التكليف إلى 20 مليون ريال.
وكان تقرير صادر عن وزارة الإدارة المحلية، قد كشف عن اختلالات كبيرة في تحصيل ضريبة القات بمحافظة تعز، وأوصى التقرير باختيار متحصلين من موظفي مكتب المصلحة وفقًا للقانون.
كما أوصى التقرير الصادر منتصف عام 2023، بتفعيل إدارة الرقابة على الضريبة، لتقوم بدورها الرقابي في مراقبة ومتابعة عملية التحصيل.
ويتم تحصيل ضريبة القات يوميا من خلال قيم سعرية تتراوح بين 800 و2000 ريال للكيلو غرام الواحد، حيث يتم الترسيم في 7 نقاط تحصيل في تعز، وتصل الكمية المحصلة يومياً إلى 15 طنا، ما يعني أن المتحصل اليومي بين 12 و30 مليون ريال.