أقرت حكومة المناصفة وبنكها المركزي في عدن حزمة من القرارات والإجراءات الجديدة، في إطار المساعي المبذولة لوقف استمرار تدهور العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، بعدما تجاوز ذلك التدهور الحدود المقبولة والمتوافقة مع معدل تدهور الاقتصاد الوطني نتيجة لتدني معدل الناتج المحلي وانقسام المؤسسات المالية والنقدية للبلد جراء الانقلاب الحوثي.
ومنذ أيام، أعلن عن إجراءات جديدة اتخذتها حكومة المناصفة خلال اجتماع عقدته مع قيادة البنك المركزي في عدن، شملت تعليق تراخيص العمل لأكثر من 60 شركة ومنشأة صرافة في عدن، وإيقاف شبكات التحويلات المالية المحلية مؤقتا، وفرض رقابة واسعة على الصرافين وشبكات التحويلات، فضلا عن إجراءات أخرى ذات أهمية متعلقة بتشديد الرقابة على المنافذ اليمنية لمنع تهريب العملة، وإمكانية استثمار حقوق السحب الخاصة الممنوحة مؤخرا من صندوق النقد الدولي، وترشيد فاتورة الاستيراد، وحصر السلع الكمالية ودراسة ما يمكن تعليق استيراده منها. ويوم الأربعاء أصدر البنك المركزي اليمني في عدن إعلانا تحذيريا لكافة التجار والمواطنين، حذرهم فيه بمنع فتح حسابات أو الاحتفاظ بأي حسابات أو أرصدة تحت أي مسميات لدى شركات ومنشآت الصرافة، قبل أن يعلن لاحقا فتح الاكتتاب في أدوات الدين العام (شهادات إيداع وودائع الوكالة) ابتداء من الأول من شهر نوفمبر القادم، على أن يكون آخر يوم لتقديم الطلبات في 28 أكتوبر الجاري.
ولأول مرة منذ فترة طويلة، يلجأ البنك المركزي إلى استخدام أدوات الدين العام للاكتتاب، في سبيل تخفيف التضخم الحالي للعملة اليمنية وسحب كميات منها من السوق.
وبهذا الشأن يقول الدكتور محمد باناجة عميد كلية الاقتصاد بجامعة عدن إن هذه ”الإجراءات لا بد منها وإن جاءت متاخرة، ولكنها ضرورية ويجب أن تتخذ معها حزمة من الإجراءات النقدية والمالية والإدارية“.
وأضاف باناجة في حديث خاص لـ“إرم نيوز“ أن ”السيولة متوفرة في السوق ولكنها مخزنة مع التجار وشركات الصرافة، وفي حال لم تكن السيولة متوفرة، فلن تحدث المضاربة بالعملة بهذا الحجم“.
وحول تحذير البنك المركزي الأخير للتجار والمواطنين، أوضح باناجة أن ”هذا واحد من حزمة من الإجراءات التي اتخذت وستتخذ تباعا لإصلاح وضع السوق والسيطرة على تقلبات سعر الصرف غير المبررة اقتصاديا“.
مواجهة بين البنك والصرافين
بدوره يرى الباحث الاقتصادي أيمن العاقل أن ”إجراءات البنك الأخيرة خطوات جيدة وتأخرت كثيراً ويمكن أن تحد من ارتفاع أسعار الصرف مؤقتاً، وبالمقابل قد نرى مواجهة بين البنك المركزي وكبرى شركات الصرافة، وصعوبة في استكمال الإجراءات القانونية في حق من تم توقيفهم، وقد يتم الفتح لهم لاحقاً، وبذلك تعاود أسعار الصرف الارتفاع مجدداً نتيجة المضاربة بالعملة“.
وبشأن فتح الاكتتاب في شهادات الإيداع وودائع الوكالة، أضاف العاقل في تصريح لـ“إرم نيوز“: ”هي أيضاً خطوات جيدة وستؤدي إلى سحب جزء من السيولة الموجودة في السوق، ولكن الثقة في البنك المركزي والبنوك الأخرى التى يمكن أن تكون وكيلاً لعملائها اهتزت مؤخراً محلياً ودولياً، وهذا أحد أبرز العوامل التي يمكن أن تعيق إجراءات فتح الاكتتاب في أدوات الدين العام“.
واختتم العاقل: ”لذلك أعتقد أنه لن ينجح البنك إلا بعد أن يتم تصحيح الهيكل الداخلي للبنك المركزي وإعادة النظر في جميع السياسات المتبعة خاصة السياسة النقدية بما يتلاءم مع الأوضاع الحالية (السياسية والاقتصادية)، فإذا ما تم ذلك بالشكل الصحيح والسليم بالتأكيد ستحل المشكلة القائمة على المدى القصير والمدى البعيد“.
من جانبه، قال الباحث الاقتصادي أنيس السنمي: ”لا شك أن الإجراءات التي أعلن عنها البنك المركزي خلال الشهر الحالي، تصب في إطار إصلاح الأوضاع المالية والاقتصادية الصعبة التي برزت بشكل كبير خلال هذه الفترة القليلة من تصاعد مستمر لأسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني، وبالذات بعد إعلان البنك المركزي عن إنزال العملة الجديدة للتداول ذات الحجم الكبير التي أعلن الحوثي عن رفض التعامل بها وتجريم أي شخص أو جهة تتعامل بهذه العملة، حيث انحصر التعامل بهذه العملة الجديدة في المناطق الجنوبية المحررة، ما أدى إلى حدوث أزمة كبيرة في سعر الصرف وهبوط الريال اليمني أمام العملات الأجنبية وانعكس ذلك على أسعار السلع في أسواق المحافظات الجنوبية المحررة“.
البنك متغيب عن مسؤولياته
وأضاف السنمي في تصريح لـ“إرم نيوز“ أن ”من أسباب حدوث الأزمة المالية الحالية أن البنك المركزي في الفترة السابقة وطوال الست السنوات الماضية غائب تماما عن ممارسة مهامه ومسؤولياته المالية والقانونية والرقابية على البنوك التجارية وشركات الصرافة والمضاربة في العملة الأجنبية واستخدام أدوات السياسة المالية والنقدية للحد من تدهور سعر الصرف وتهريب العملة الصعبة إلى خارج البلاد وإلى المحافظات الشمالية التي تسيطر عليها ميليشيات الحوثي“.
وتابع: ”يمكن أن تصب إجراءات البنك الأخيرة في مصلحة معالجة الأزمة المالية الحالية إذا وجدت الجدية في تنفيذ هذه الإجراءات، وتمت متابعة تنفيذها من قبل البنك المركزي“.
وفي ما يتعلق بقرار فتح الاكتتاب العام في شهادات الإيداع وودائع الوكالة، فقد أوضح السنمي أن ”هذه الأدوات تعد من أدوات السياسة النقدية التي يلجأ لها أي بنك مركزي في حالة أن هناك التزامات كبيرة تواجه الحكومة وملزمة بسدادها ولا تحتمل التأخير، ما يضطر البنك المركزي إلى طرح أدوات الدين العام لسحب سيولة من السوق لسداد التزامات الحكومة ومن ثم تسديد قيمة وفوائد تلك الأدوات التي قام ببيعها، وكل ذلك وفي الغالب يتم في الظروف الطبيعية وفي حالة استقرار سعر الصرف وتوفر العملة الصعبة“.
انعدام الثقة
واستطرد السنمي: ”أما في وضعنا الحالي فإن الشكوك تحوم حول قرار فتح الاكتتاب بالأدوات التي أعلن عنها البنك المركزي، كونه يوحي بانعدام السيولة النقدية في البنك المركزي، وأنه يعد حلا مؤقتا لسحب السيولة من السوق لمواجهة التزامات الحكومة من رواتب ونفقات تشغيلية للأشهر القليلة القادمة، وأنه لا يهدف إلى سحب السيولة من السوق لتخفيف الطلب على العملة الصعبة لتخفيض سعر الصرف كما يعتقد البعض، لأن هناك انعدام ثقة من قبل البنوك التجارية وشركات الصرافة وأصحاب رؤوس الأموال من عدم وفاء البنك المركزي بسداد ودائعهم عند موعد استحقاقها“.
ويرى السنمي أن ذلك القرار ”لن يكون له استجابة كبيرة، إلا إذا توفرت ضمانات كافية ومقنعة لهم. ونأمل أن يكون هدف البنك المركزي من طرح تلك الأدوات لغرض سحب السيولة لتخفيف الطلب على العملة الأجنبية بهدف تثبيت سعر الصرف وليس من أجل مواجهة التزامات الحكومة لصرف نفقات الباب الأول والثاني من الموازنة العامة التي لا تستدعي قيام البنك المركزي بطرح أدوات الدين العام من أجلها، بل وربما قد يوحي أن الحكومة عاجزة عن تحصيل الإيرادات العامة لسداد تلك الالتزامات“. شارك