الرئيسية > اخبار محلية > آفاق المفاوضات بين السعودية والحوثيين نحو اتفاق لإنهاء الحرب اليمنية

آفاق المفاوضات بين السعودية والحوثيين نحو اتفاق لإنهاء الحرب اليمنية

أجرت جماعة الحوثي مفاوضات مع وفد سعودي، ترأَّسه محمد آل جابر، سفير المملكة العربية السعودية لدى الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، بحضور وفد عماني، يمثِّل وسيطًا بين الجانبين، وذلك في العاصمة اليمنية صنعاء. واستمرت الجولة الأولى من المفاوضات خلال الفترة 8-13 نيسان/ أبريل 2023، وحققت تقدمًا في عدد من الملفات. ويُتوقَّع أن تُعقد الجولة الثانية في الشهر ذاته في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة المسائل العالقة. وتعد هذه أول مفاوضات علنية مباشرة بين الطرفين منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015.

 

أولًا: التحول إلى الحل السياسي

أعلنت السعودية في آذار/ مارس 2021، عن مبادرة لإنهاء الأزمة اليمنية، تنص على الوقف الكامل لإطلاق النار، تحت إشراف الأمم المتحدة، وتوجيه العائدات الجمركية والضريبية لشحنات النفط الواردة إلى ميناء الحديدة إلى حساب بنكي مشترك لدى البنك المركزي اليمني فرع الحديدة، بناءً على اتفاقية ستوكهولم 2018، وفتح مطار صنعاء أمام وجهات محددة، ولرحلات معدودة، والشروع في التفاوض للوصول إلى حلٍّ سياسي وفق مرجعيات ثلاث، هي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لعام 2011، ومخرجات الحوار الوطني لعام 2014، وقرار مجلس الأمن رقم 2216 لعام 2015[1].

 

ولم تكن هذه المبادرة الأولى في هذا الشأن، فقد أطلق الحوثيون مبادرة مُشابِهة لها، بعد أسبوع من الهجوم المنسوب إليهم، والذي شمل معامل بقيق وخريص النفطية، شرقي الرياض، في أيلول/ سبتمبر 2019، وتضمَّنت المبادرة الدعوة إلى وقف الهجمات الجوية المتبادلة[2]. وقد أعاد الحوثيون التذكير بمبادرتهم في سياق خطاب ألقاه رئيس المجلس السياسي الأعلى بصنعاء، مهدي المشَّاط، في الذكرى السابعة لما يسميه الحوثيون "الصُّمود"، في 26 آذار/ مارس 2022. وقد ظلت هذه المبادرات محل نقاش مستمر بين مختلف الأطراف، وبرعاية مبعوث الأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، الذي كشف، في إحاطته المقدمة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في شباط/ فبراير 2022، عن تطوير إطار عملٍ لتسوية سياسية شاملة، عبر ثلاثة مسارات سياسية، وأمنية، واقتصادية[3]. وفي 2 نيسان/ أبريل 2022، أعلن عن التوصل إلى هُدنة إنسانية تُجدَّد كل شهرين، سمحت بخفض مستوى العنف وتحسين الوضع الإنساني، لكنها منحت الحوثيين فرصة لتعزيز مواقفهم العسكرية والأمنية والاقتصادية، من دون مكاسب واضحة للحكومة المعترف بها دوليًّا، أمَّا السعودية فقد أمَّنت نفسها من أيِّ هجماتٍ جويِّة يمكن أن يشنها الحوثيون[4].

 

في الأثناء، كانت الرياض، وبرعاية مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تحتضن مشاوراتٍ يمنية، غاب عنها الحوثيون. وفي نهاية هذه المشاورات، أُعلن عن تشكيل مجلس قيادة رئاسي، مكوَّنٍ من ثمانية أشخاص، نُقلت إليه كل سُلطات الرئيس عبد ربه منصور هادي، وجاء في وثيقة إعلان انتقال السلطة، أن يتولى المجلس التفاوض مع الحوثيين بغية تحقيق وقفٍ دائم لإطلاق النار، وصولًا إلى حل سياسي نهائي وشامل، يتضمن مرحلة انتقالية تعبر بالبلاد إلى السلام الدائم[5].

 

وقد أتاحت هذه الترتيبات البدء بمفاوضات مباشرة غير معلنة بين السعودية والحوثيين في مسقط عاصمة سلطنة عمان، خلال النصف الثاني من عام 2022، ناقشت أمن المناطق الجنوبية الغربية للسعودية، وملفّ تبادلِ الأسرى[6]، لكن لم يحصل تقدمٌ كبيرٌ إلا بعد توصل السعودية وإيران إلى اتفاق لتحسين العلاقات بينهما برعاية صينية، في 10 مارس/ آذار 2023، وعقب ذلك انطلقت مفاوضات صنعاء العلنية المباشرة بين السعودية والحوثيين.

 

ثانيًا: حيثيات المفاوضات ودوافعها

1. حيثيات المفاوضات

كشفت مفاوضات صنعاء عن تقدم مهم تحقق بعد سلسلة مفاوضات سابقة، مباشِرة وغير مباشرة، تكثفت في الشهور الأخيرة. وقبل وصول الوفد السعودي إلى صنعاء، صرَّح رئيس الوفد التفاوضي التابع للحوثيين بأن أجندة المفاوضات تتضمن الوقف الكامل "للعدوان والحصار، وصرف رواتب الموظفين من عائدات النفط والغاز" التي تتحكم بها الحكومة المعترف بها دوليًّا، وخروج القوات الأجنبية، والتعويض العادل، وإعادة الإعمار[7]. أمَّا مفاوض الطرف السعودي، محمد آل جابر، فقال إن المفاوضات تهدف إلى "تثبيت الهُدنة، ووقف إطلاق النار، ودعم عملية تبادل الأسرى، وبحث سبل الحوار بين المكونات اليمنية، للوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام"[8].

 

وعقب مغادرة الوفد السعودي صنعاء، كشف رئيس الفريق التفاوضي للحوثيين عن توافق على استمرار الهدنة الإنسانية الحاليَّة، لكنه لم يحدِّد سقفها الزمني الجديد، أو ما يشير إلى الإبقاء على سقفها الأصلي. ويبدو أن المطالب المثارة من الجانبين، خارج هذه الهدنة، ومنها التعويضات والرواتب، بوصفها ملفًا إنسانيًّا، لم يجرِ البتُّ فيها، وهي ما قال إنها "ملفَّات عالقة"، وإنَّ أمام كل طرف فرصة للتشاور بشأنها[9]. وصرح عضو المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، محمد علي الحوثي، أنَّ جماعته قدَّمت نقاطًا عامَّة بخصوص الملف السياسي، ورؤية الحل الشامل، أما الملف الإنساني فقد شَغَل الحيز الأكبر من النقاش[10]. وأصدرت الخارجية السعودية بيانًا، في 15 نيسان/ أبريل، لكنه لم يتناول ما جرى الاتفاق بشأنه، بل اكتفى بالإشارة إلى أن النقاش تركز على مجموعة من القضايا الإنسانية (في إشارة إلى موضوعي الهدنة والرواتب)، وإطلاق جميع الأسرى (الكُلُّ مقابل الكُل)، ووقف إطلاق النار، والحل السياسي الشامل، وأشار إلى أن اللقاءات ستتجدَّد قريبًا، لوضع حل سياسي شامل ومستدام ومقبول من كل الأطراف اليمنية[11].

 

احتدم الجدل خلال المفاوضات بشأن توصيف الدور السعودي فيها؛ إذ قدَّم السعوديون أنفسهم بوصفهم وسطاء في المصالحة بين الأطراف اليمنية، لا طرفًا في الصراع، في حين أصرَّ الحوثيون على أن السعودية طرف أصيل فيه لارتباط ذلك خصوصًا بمسألتي التعويضات وإعادة الإعمار[12].

 

2. دوافع المفاوضات

بحلول عام 2020، صار واضحًا أن الحرب في اليمن وصلت إلى طريق مسدودة، وأن الحسم العسكري فيها بعيد المنال، وإضافة إلى الأعباء الإنسانية والسياسية التي ترتبت على استمرارها أخذت الحرب تشكل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على السعودية تضافرَ مع الآثار السلبية المترتبة على الاقتصاد بسبب تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وانهيار أسعار النفط عام 2020، وتداعيات ذلك على مشاريع السعودية التنموية وخططها الاستراتيجية وعلى رأسها رؤية 2030. فضلًا عمّا تلقاه قطاع النفط السعودي من تراجع بعد تدمير منشآت "أرامكو السعودية" في بقيق وخريص، وإخراج نصف إنتاج السعودية من النفط وامتناع الولايات المتحدة الأميركية عن اتخاذ أي إجراء للرد عليها. كما عزز سحبُ الإمارات العربية المتحدة قواتها الرئيسة المشاركة في التحالف العربي، في شباط/ فبراير 2020، وتحوُّلُ الموقف الأميركي من الحرب؛ شعورَ السعودية بأنها باتت وحدها؛ لذلك قرَّرت الخروج تدريجيًّا، ورتَّبت لذلك بإعادة ترتيب صفوف حلفائها في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليَّا، وفقًا لحساباتها الجديدة، وتفعيل قنوات الاتصال مع الحوثيين[13]. وتعزز التوجه السعودي مع وصول إدارة جو بايدن إلى الحكم، واتخاذها في شباط/ فبراير 2021 قرارًا بوقف مساعداتها العسكرية للسعودية، خصوصًا الهجومية، وإزالة الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية[14].

 

مثَّلت الهدنة الإنسانية المُعلنة في 2 نيسان/ أبريل 2022، خطوة أساسيةً لتوجه السعودية نحو إنهاء تورّطها في الحرب اليمنية، وتعدّ الهدنة جزءًا من توجه عام نحو "تصفير" السعودية مشاكلها مع المحيط الإقليمي، استجابة لما اعتبرته تغيرًا في الالتزام الأميركي بأمنها القومي[15]. وقد عزَّزت القمة العربية الصينية التي عُقدت في الرياض في كانون الأول/ ديسمبر 2022، قناعة السعودية بتوجهها نحو إنهاء دورها في الحرب اليمنية، وحاجتها لخلق مناخات آمنة داخليًّا، ومستقرة في جوارها اليمني. وهذا يفسّر الاتفاق الذي أبرمته السعودية مع إيران بوساطة صينية.

 

من جهة أخرى، ثمة دوافع عديدة لانخراط الحوثيين في المفاوضات مع السعودية؛ منها تحوُّل موقف إيران عقب توقيعها اتفاقية بكين لتحسين العلاقات مع السعودية، والتأثير المحتمل لذلك في الدعم العسكري الذي تقدمه لهم، وضغوطها المحتملة عليهم للتوصل إلى تسوية تنهي الصراع. كما أن استمرار الحرب والحصار تترتب عليه تكاليف سياسية واقتصادية ما عاد تحملها ممكنًا إذا أصر الحوثيون على الاستمرار في نهج المواجهة. ويعد التعامل السعودي العلني والمباشر مع الحوثيين بمنزلة اعتراف بهم، بعد أن كانت السعودية تتعامل معهم باعتبار أنهم متمردون اغتصبوا السلطة. وكان الحوثيون يُصرِّون على أن تكون مفاوضاتهم مباشرة مع السعودية وليس مع الحكومة المعترف بها دوليًا. إضافة إلى كل ذلك، يستعد الحوثيون للحصول على مكاسب متنوعة من المفاوضات وتثبيت الهدنة الإنسانية.

 

ثالثًا: مآل المفاوضات وفرص الحل السياسي

من المقرر أن تنطلق جولة ثانية من المفاوضات بين الطرفين خلال نيسان/ أبريل 2023 في الرياض، بعد أن تناقش السعودية والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا القضايا الخلافية التي يدرجها الحوثيون تحت عنوان "الملف الإنساني" ويصرُّون على تلبيتها، بوصفها أساسًا لاستمرار الهدنة ومعبرًا إلى السلام. وهذه القضايا هي: تحميل الحكومة دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في عموم البلاد، بما فيها مناطق سيطرة الحوثيين، والفتح غير المقيَّد للمطارات والموانئ، وإطلاق سراح الأسرى كافة، إضافة إلى مطلب خروج القوات الأجنبية التي يمثِّل وجودها بالنسبة إلى الحوثيين "باعثًا لتجدُّد العنف". لكن أمام صعوبة القضايا المطروحة وتعقيداتها قد يلجأ الطرفان، وفقًا لما يروجان له من أجواء إيجابية في المرحلة الراهنة، إلى تمديد الهدنة الإنسانية وزيادة سقفها الزمني، وتضمينها حلولًا جزئية للقضايا المتعلقة بفتح المطارات والموانئ، وتقاسم أعباء رواتب الموظفين بين مختلف الأطراف، بمن فيهم السعودية، وتحديد التدابير المتعلقة بها، خاصةً الموارد النفطية وغير النفطية، والبنوك، والعُملة، وتأجيل معالجة القضايا الخلافية على نحو نهائي إلى جولة مفاوضات جديدة، يجري خلالها تحديد تدابير عملية السلام الشامل التي تراعي مطالب الأطراف كافة. لكن يبقى احتمال تعثّر المفاوضات وجمودها قائمًا، لتستمر حالتا اللاسِلم واللاحرب، أو ارتفاع وتيرة العنف من جديد.

 

خاتمة

لم تسفر المفاوضات بين السعودية والحوثيين حتى الآن عن حل سياسي لقضايا اليمن، أو تغيير في مواقع القوى المسيطرة على الأرض. ولعلّ المسارات الجديدة التي اتخذتها العلاقات بين الطرفين قد تُفضي إلى حلّ سياسي أو قد يجري الاتفاق على ما يمهّد لمثل هذا الحلّ، وإن لم يتحقق ذلك، فقد يبقى الحوثيون بوصفهم حكومة أمر واقع في صنعاء في ظل هدنة دائمة وخطوات تسهل حياة الناس وتسيّر الاقتصاد.

 

وتجدر الإشارة إلى أنَّ الاندفاع السعودي إلى الخروج من الحرب اليمنية، يمثِّل دافعًا مهمًا لإنهاء الصراع، لكنّ الحوثيين قد يفهمونه دليل ضعف؛ ما يغريهم بالمزيد من التعنُّت ومحاولة فرض شروطهم، خاصة أنهم باتوا يشعرون أن صمودهم يؤتي ثماره، وأن عامل الوقت يسير في صالحهم، وأن هناك إمكانية لتكرار السيناريو الأفغاني؛ إذ يستأثرون بالسلطة ويفرضون أمرًا واقعًا، وهذا ما لا يمهِّد لأيِّ سلام حقيقي.