ما إن تبدد دخان المعارك في مدينة عتق بمحافظة شبوة منتصف الشهر الجاري، حتى لاح في الأفق جانب من الأسباب التي تبقي الحرب مستعرة في "اليمن السعيد".
فخلف سحب دخان خلفه تمرد لعناصر تنظيم الإخوان وواجهته السلطات المحلية، كانت تربض منشأة بلحاف للغاز الطبيعي. وتقع منشأة بلحاف الاستراتيجية على بعد 130 كيلومترا من عتق، عاصمة شبوة، التي شهدت تفجر التمرد الإخواني أوائل الشهر الجاري. و"بلحاف" مرفأ تصدير ومحطة إنتاج تديرها الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال وعدد من الشركاء الدوليين، وتعتبر من أهم المشاريع الاقتصادية بالمنطقة.
ويقول مراقبون إنه إذا ما أراد اليمنيون والعالم فهم ما جرى ويجري في البلاد كما في أي أزمة أخرى، فإن عليهم النظر أبعد قليلا من ساحات القتال.
عبدربه والأسطول الفرنسي! وعقب هزيمة تنظيم الإخوان روجت مواقع الجماعة المصنفة إرهابية في عدد من البلدان العربية، إلى أن تمردهم جاء بهدف مواجهة تحركات فرنسية لتصدير الغاز من منشأة "بلحاف" النفطية، زاعمين أن باريس دفعت بأسطول حربي لحماية المنشأة.
وتتناقض الرواية الإخوانية مع رواية أخرى أطلقوها مع بدء تمردهم حينما زعموا أن تحركهم العسكري جاء ردا على صدور قرار من المجلس الرئاسي بإقالة قائد القوات الخاصة عبدربه لعكب. وجاء تحرك الرئاسي اليمني على خلفية اتهامات للمسؤول العسكري الإخواني بإثارة الفوضى داخل المحافظة التي توجد مليشيات الحوثي على حدودها الإدارية.
ومع احتدام المعارك بين عناصر الإخوان وقوات العمالقة وقوة دفاع شبوة اتخذ المجلس الرئاسي إجراءات أخرى، في مقدمتها تعيين 3 قيادات عسكرية وأمنية في المحافظة، وذلك بعد إقالته للقيادات الإخوانية المتمردة، قبل أن يعلن محافظ شبوة عوض بن الوزير العولقي، انطلاق عملية عسكرية لإنهاء تمرد الإخوان، ليتم فرض الأمن والاستقرار في المدينة المطلة على بحر العرب. وقال المحلل السياسي اليمني والكاتب صالح الدويل "علينا أن ننتبه ما قاله الإخوان في بداية المواجهات يختلف تماما عن روايتهم التي ظهرت بعد أن حسمت المعركة".
وأكد الدويل لـ"العين الإخبارية أنه "لم يحدث قط أي وسائل نهب واغتيالات أو جرائم انتقامية، حيث أعطى محافظ شبوة الأمان والعفو العام لكل من شارك إلا القيادات، وهي تأخد عقوباتها ضمن الأطر القانونية وليس كما يروج له الإخوان". وأضاف أن "مسألة أن هناك طيرانا مسيرا استخدم في حسم المعارك هي مجرد أباطيل وأكاذيب لا أساس لها من الصحة، ويستهدف الإخوان منها تحميل فشلهم على طرف إقليمي دخل في حسم المعركة".
مزاعم الإخوان ومنذ سحق التمرد الإخواني في شبوة روجت مواقع الجماعة الإعلامية لاستخدام طائرات بدون طيار خلال المواجهات العسكرية وكذلك خلال ملاحقة المنسحبين.
والأسبوع الماضي جددت وسائل إعلام إخوانية الترويج لغارة نفذتها طائرة مسيرة زعمت أنها إماراتية، وأنها استهدفت حاجزا وموقعا إخوانيا في بلدة "نعضة" بين عتق مركز محافظة شبوة والعبر التابعة لوادي حضرموت. وتحققت "العين الإخبارية" من 3 مصادر ميدانية، بينهم مسؤولان في قوات العمالقة وقوة دفاع شبوة، ممن نفوا بشكل قاطع استخدام أي طائرات مسيرة في المواجهات مع المتمردين من قوات الإخوان والمليشيات المساندة لهم القادمة من مأرب المجاورة.
من جهته، أكد الإعلامي اليمني عبدالقادر العنقري متابعته لـ"الضجيج الإخواني ووسائل الإعلام الداعمة للمتمردين الإخوان ومزاعمهم"، مشددا على أنه "لم يجد أي دلائل على وجود طيران مسير نفذ أي ضربات ضد المتمردين ولا وجود لأي تدخل من قبل دول التحالف العربي للقضاء على هذا التمرد الإخواني".
وأضاف "نحن على الأرض وأبناء محافظة شبوة، ونحن من قام بزيارة العديد من المواقع التي حدثت فيها المواجهات للاطلاع على مجريات الأحداث التي خلفها تمرد تنظيم الإخوان".
السفارة تعلق والجمعة الماضية نفت السفارة الفرنسية في اليمن بشكل رسمي شائعات إخوانية، زعمت وجود عسكري لبلادها في منشأة بلحاف للغاز الطبيعي المسال في شبوة.
وعلقت السفارة على حسابها الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "لقد علمنا بمزاعم تشير إلى وجود عسكري فرنسي مزعوم في موقع بلحاف في اليمن، هذه شائعات لا أساس لها من الصحة على الإطلاق وننفيها بشكل رسمي".
وفي هذا السياق أكد صالح الدويل أن "المعركة في الحقيقة وقعت بين طرفين على الأرض، بين أبناء شبوة والسلطة المحلية ممثلة في محافظ المحافظة وتنظيمات الإرهاب ممثلا بتنظيم الإخوان الداعم للقوات المتمردة على الشرعية".
وأشار إلى عودة الحياة الطبيعية إلى عتق "وأن الأمور تسير على ما يرام وأنه لا توجد هناك أي إشكاليات داخل هذه العاصمة، وأن الأمور حسمت في يومها الأول وخلال وقت قياسي".
قيادات سياسية وإعلامية من أبناء شبوة شهدوا المواجهات كما أجروا جولات ميدانية للاطلاع على مسرح المواجهات ولم يجدوا أكثر من الافتراءات الإخوانية التي يتم ترويجها ونشرها على وسائل إعلامهم ومواقع التواصل الاجتماعي.
القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي في شبوة سيلان حنش أكد، لـ"العين الإخبارية"، أن الادعاءات بأن هناك طيرانا مسيرا مستخدما غير صحيح، ويستهدف حرف الأنظار وخلط الأوراق في مشهد البلد سياسيا وعسكريا.
ووفقا للقيادي الجنوبي فإن تنظيم الإخوان يسعى إلى تدويل القضية بشكل عام، على أساس أن هناك أطرافا أخرى من التحالف العربي أو غيرهم تدخلوا في هذه المعارك لإسناد قوة دفاع شبوة في إخماد التمرد.
وقال: "المعركة حسمتها القوات الجنوبية بشقيها قوات العمالقة وقوة دفاع شبوة، ولا يوجد هناك أي تدخل آخر من نوع طيران حربي أو مسير تابع للتحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات نهائيا".
الإخوان والنفط وجنى الإخوان مليارات الدولارات مقابل تأمين منشآت نفطية خلال سنوات المعارك ضد الانقلاب الحوثي منذ 2014، هذا إلى جانب استحواذهم على صفقات النفط والغاز الضخمة وإنفاق الثروة بعيدا عن أطر الدولة اليمنية.
ومؤخرا أسندت إلى قوات العمالقة الجنوبية مهام حماية شركة "جنة هنت القطاع 5 النفطي" في مديرية عسيلان شمالي غربي شبوة التي تتألف من 3 حقول نفطية بعد سنوات من سيطرة الإخوان.
وعلى ما يبدو سعى التنظيم لتعويض خسارته بالسيطرة على بلحاف التي طالما أظهرت المؤشرات رغبة التنظيم في السيطرة عليها.
ويقول مراقبون إن مخطط الإخوان للسيطرة على منشأة بلحاف شهد أعلى ذروته إبان تولي رجل الإخوان الأول في شبوة محمد صالح بن عديو حكم المحافظة (2018-2021).
وحينها قالت مصادر عسكرية لـ"العين الإخبارية" إن مليشيات الإخوان واصلت التضييق على قوات اللواء الثاني مشاة بحري، الذي يتخذ من معسكر "العلم" مقرا له، ويتولى مسؤولية حماية ميناء بلحاف النفطي، عبر استقدام مسلحين من خارج شبوة ونصب حواجز أمنية.
وسعى الإخوان حينها لإشعال المظاهرات القبلية في مسعى لتمرير مخطط "السيطرة على منشأة بلحاف تحت غطاء الثأر القبلي، وتفجير صراع قبلي بيني يهدد النسيج المجتمعي في المحافظة.
وبعد سقوط تلك المخططات بتعيين رجل شبوة القوي الزعيم القبلي عوض بن الوزير العولقي، في ديسمبر/كانون الأول 2021، تهاوت أحلام التنظيم الإخواني، ولم يتبق لأبواقه سوى منابر الفتنة لبث الشائعات واختلاق الأكاذيب وتأجيج الحرب ضد الشرعية إعلاميا وعسكريا، وفق ما أكد طيف واسع من المحللين.