دخل حزب الإصلاح الإخواني في مواجهة مكشوفة مع الشرعية اليمنية والتحالف العربي، بعد أن كانت سياسته تقوم منذ عام 2006 على الاختباء خلف تكتلات سياسية لمواجهة خصومه؛ مثلما حدث عام 2011 عندما واجه نظام الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح من وراء تكتل اللقاء المشترك، كما وقف الحزب خلف تأسيس التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية عام 2019 لمواجهة المجلس الانتقالي وجناح الرئيس صالح في حزب المؤتمر الشعبي العام المناهض للحوثي.
وفشل حزب الإصلاح خلال مواجهته الجديدة مع المجلس الرئاسي والتحالف العربي في جرّ أي حزب من الأحزاب المنضوية في التحالف الوطني إلى إصدار بيان مشترك، وهو ما دفعه -تحت وقع الضغوط التي مارستها قواعد الحزب- إلى إصدار بيان منفرد، في الوقت الذي صدرت فيه بيانات أخرى عبرت عن دعم السلطة المحلية في شبوة، مثل البيانات الصادرة عن كل من الحزب الاشتراكي اليمني والمجلس الانتقالي الجنوبي والسلطة المحلية في محافظتَيْ حضرموت والبيضاء.
كما عبّر تصريحُ مصدرٍ مسؤول في اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام عن استنكاره الشديد لما ورد في بيان الأمانة العامة لحزب الإصلاح من اتهامات وقلب للحقائق، مُقرًّا برفض المؤتمر لهذا الاستهداف الممنهج الموجه إلى محافظة شبوة.
وشن إعلاميون وسياسيون تابعون لحزب الإصلاح هجوما هو الأعنف على رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وذلك على خلفية موقفه من التمرد العسكري الذي شهدته محافظة شبوة خلال الأيام الماضية في أعقاب رفض قادة أمنيين وعسكريين في المحافظة قرارات صادرة عن المجلس الرئاسي.
وقالت مصادر إعلامية إن طائرة خاصة سعودية نقلت ممثل حزب الإصلاح في المجلس الرئاسي عبدالله العليمي إلى الرياض، بعد انقضاء أيام على تسريب مصادر تابعة للحزب خبر استقالته من المجلس الرئاسي احتجاجا على موقف المجلس من أحداث شبوة المساند للسلطة المحلية.
وشرع قادة بارزون ضمن حزب الإصلاح في انتقاد الرئيس رشاد العليمي والتشكيك في شرعية المجلس الرئاسي والحديث عن أن الرئيس السابق عبدربه منصور هادي مازال رئيسا شرعيا للبلاد، وفق مزاعم عضو مجلس النواب عن حزب الإصلاح شوقي القاضي.
وهدد الإصلاح في بيان له الأسبوع الماضي بالانسحاب من مشاركته في الشرعية اليمنية في حال لم يُقْدم مجلس القيادة الرئاسي على إقالة محافظ شبوة عوض الوزير العولقي وإحالته إلى التحقيق، وهو الشرط الذي أكدت مصادر سياسية مطلعة لـ”العرب” أن أغلب أعضاء المجلس الرئاسي رفضوه مشددين على ضرورة دعم السلطة المحلية التي تصدت للتمرد العسكري الذي قاده الإخوان في شبوة.
ورفض الرئيس العليمي في اجتماع مع رئيس مجلس النواب اليمني سلطان البركاني وأعضاء في هيئة رئاسة المجلس السبت الإساءات التي توجه إلى التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، في مؤشر على رفضه كل محاولات الابتزاز التي يمارسها إعلام الإخوان لدفعه إلى تقديم تنازلات للحزب، في حين تجاهل الحملات التي يشنها عناصر في حزب الإصلاح ضده بمن في ذلك بعض المسؤولين المدنيين والعسكريين في الحكومة الشرعية التي استطاع الحزب الهيمنة عليها خلال فترة الرئيس السابق هادي.
وكان الرئيس العليمي قد قطع على الإخوان طريق الابتزاز السياسي حول موقف المجلس الرئاسي من أحداث شبوة، من خلال نفي مصدر مسؤول في رئاسة الجمهورية الأنباء المتداولة بشأن لقاء ثنائي بين الرئيس رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وقيادات من حزب التجمع اليمني للإصلاح.
وكشفت مصادر إعلامية عن ظهور قادة التمرد العسكري الإخواني الذين فروا من شبوة في مدينة سيئون التي تسيطر عليها المنطقة العسكرية الأولى التي تدين بالولاء للإخوان، وأشارت هذه المصادر إلى أن عبدربه لعكب وجحدل حنش قائدَيْ التمرد في شبوة التقيا بلجنة التحقيق التي شكلها المجلس الرئاسي برئاسة وزيري الدفاع والداخلية.
وشهدت الأيام الماضية ما يمكن وصفه بالمغازلة الإعلامية بين الإخوان والحوثيين على خلفية أحداث شبوة، حيث طالب ناشطون من جماعة الإخوان بالتقارب مع الميليشيات الحوثية لمواجهة التحالف، ودعت قيادات حوثية الإخوان للعودة إلى مناطق سيطرة الحوثي والانضمام إلى الميليشيات المدعومة من إيران.
وفي هذا السياق كشف محمد عبدالسلام الناطق الرسمي باسم الجماعة الحوثية عن طرح عبدالملك الحوثي ما وصفه بالمبادرة الجديدة التي تتضمن دعوة قيادات حزب الإصلاح “للعودة إلى حضن الوطن قبل فوات الأوان ولهم الأمن والأمان من كوادر وأعضاء ومشايخ ووجهاء الحزب” .
وحول خيارات التصعيد الإخواني المرتقبة في المشهد اليمني قال الباحث السياسي اليمني يعقوب السفياني، في تصريح لـ”العرب”، “من الواضح أن حزب الإصلاح اليمني (فرع الإخوان المسلمين في اليمن) يعتبر الاقتراب من مراكز نفوذه، خصوصاً المثلث النفطي (مأرب – شبوة – حضرموت) خطوطاً حمراء سيقاتل عليها بكل الوسائل والطرق، ولهذا اعتبر الإخوان ما حدث في شبوة مؤشراً خطيراً يهدد نفوذهم الذي تم تكريسه منذ ما قبل حرب 2015 وتعزز خلال السنوات الماضية”.
ولفت السفياني إلى أن “خيارات الإخوان في اليمن مفتوحة وبدأتها الجماعة بالتلويح بالانسحاب من المجلس الرئاسي والشرعية اليمنية التي كانت إلى ما قبل تشكيل المجلس الرئاسي حكرا على الجماعة ومغنما من مغانم الحرب بالنسبة إليهم”، مشيرا إلى أن “الإخوان سيواصلون الضغط في هذا الاتجاه على المجلس الرئاسي، خصوصاً رئيس المجلس، بالتوازي مع الرسائل الضمنية الموجهة إلى السعودية، والتي حملها بيان الإصلاح الأخير وهددت ضمنيا أمن الرياض”.
وأضاف “لا أستبعد أن يذهب الإخوان بعيداً في خياراتهم إذا لم تنفع الأساليب السابقة، وقد تشمل هذه الخيارات التحالف مع الحوثيين. وقد رأينا بالفعل رسائل حوثية تطمينية للإصلاح علاوة على أن مصالح الجماعتين الدينيتين تتقاطع في استمرار الاستيلاء على منابع النفط خصوصاً في الجنوب”.
واعتبر السفياني أن الحديث عن تحالف الحوثي والإخوان ليس نكاية سياسية أو احتمالات بعيدة التحقق، وتابع “من المهم الإشارة إلى جذور التواصل والتنسيق بين الطرفين التي تعود إلى ما قبل عاصفة الحزم، حيث التقى القيادي الإصلاحي الكبير خالد الآنسي بزعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي في صعدة للتباحث وكاد الحوثيون والإصلاح يعلنون عن جبهة سياسية وعسكرية واحدة بددتها طائرات التحالف في سماء اليمن، والتي حلقت بعد اللقاء بأيام”.
وفي ظل التقارير حول إمكانية انتقال عدوى التمرد العسكري الإخواني إلى مناطق أخرى مثل وادي حضرموت ومحافظة أبين، وعن خيارات الإخوان العسكرية إزاء ذلك، أشار الباحث العسكري العقيد وضاح العوبلي في تصريح لـ”العرب” إلى أن “العنف والتمرد العسكري صارا من أهم خيارات الإخوان في المرحلة المقبلة بهدف خلط الأوراق واستثمار الظرف الحرج في ظل حرص بقية القوى على ترتيب الصفوف، والذي يبدأ بإنفاذ استحقاقات الشراكة الفعلية والعادلة وردم بؤر التوتر والصراعات البينية”.
وتابع “اعتدنا من الإخوان في مثل هذه الظروف أنهم من الممكن أن يستخدموا اللعب بأوراق خطيرة، والتي يمارسون من خلالها إرسال رسائلهم وابتزاز الحلفاء، ومن هذه الأوراق -في اعتقادي- اتجاههم إلى تسليم بعض الجبهات للحوثيين وخصوصاً في مأرب على غرار تسليم جبهة نهم صبيحة تعيين الفريق الركن صغير بن عزيز رئيساً للأركان في مطلع عام 2020. وبما أن مسرح عمليات المناورة قد انحصر بشكل كبير في جبهات مأرب أعتقد أن جبهات الجوف ستكون هي المرشحة هذه المرة، وقد يسلّمون ما تبقى من صحراء الجوف ذات التماس المباشر مع الحدود السعودية للحوثيين، باعتبار أن هذه الجغرافيا مهمة لتوجيه الرسائل المباشرة إلى قيادة التحالف ممثلة بالمملكة العربية السعودية، وقد يأتي ذلك ضمن ردود الإخوان على القرارات الأخيرة التي يعتقدون أنها تمس مصالحهم وتسحب مناطق النفوذ منهم، فيما هي في الحقيقة مجرد خطوات لتنفيذ الشراكة بين كل الأطراف ولترتيب الصفوف استعدادا للقادم سلماً أو حربا”.