تزايد استهلاك نساء اليمن القات في السنوات الأخيرة بشكل كبير ووصلت نسبة المتعاطيات إلى 70 في المئة في بعض المناطق، وهو ما يُعد مؤشرًا مقلقًا يهدد ببروز آثار اجتماعية ونفسية خطيرة.
وبات لافتا في مدن اليمن تواجد بعض النساء في أسواق القات لشراء هذه العشبة، بعد أن كان المجتمع يحظر تواجد العنصر النسائي في هذه الأسواق ويعتبر ذلك معيبا.
ففي محاولة للترويح عن النفس وربما الحضور الاجتماعي تتخذ نساء اليمن مجالس يومية لمضغ القات، ما قد يضاعف من أضرار القات في المجتمع اليمني الذي يعيش أوضاعا اقتصادية واجتماعية بالغة الصعوبة.
وتحول مضغ القات إلى طقس اجتماعي لدى النساء، حيث يتجمع عدد منهن في منزل إحداهن، وتبقى هذه النبتة في أفواههن لساعات، ويشعرن وقت تعاطيها بالتسلية والسعادة ونسيان الهموم.
تقول الشابة اليمنية حسناء “حاولت الإقلاع عن عادة مضغ القات، ولكن التوقف عن هذه العادة صعب لكونها عادة متجذرة بين الناس في اليمن ومرتبطة بمناسباتهم الاجتماعية.”
ويزرع القات في الكثير من مناطق اليمن ويتناول ويخزن في الفم لساعات، ويترافق معه في بعض الأحيان تعاطي مشروبات الطاقة أو المشروبات الغازية، إضافة إلى السجائر أو الشيشة.
ويوصف القات بأنه منشط عشبي يحرص أغلب سكان اليمن على تعاطيه في أوقات ما بعد الظهيرة إلى الليل، وتعتبره منظمة الصحة العالمية من الأعشاب المخدرة بسبب الآثار السلبية الناجمة عن مضغه، وتم مؤخرا حظره في العديد من بلدان العالم.
وأضافت حسناء أن “الظروف النفسية الصعبة في البلاد والفراغ المستمر من بين العوامل التي أجبرتها هي وأخريات على مضغ القات.” وأشارت إلى أنه أصبحت هناك بعض المحلات التي تبيع القات للنساء، بعد أن كان بيعه حكرا على الرجال.
وبالرغم من كل الأضرار التي يسببها القات والجهود المبذولة للحد من ظاهرة تعاطيه، إلا أن المتعاطيات يوميا في ازدياد وبكميات كبيرة جدا ومن كل المستويات والطبقات الاجتماعية والفئات العمرية والجنسية. وبحسب إحصائيات منظمات الأمم المتحدة يُقدر عدد من يتعاطون القات بشكل يومي على مستوى العالم بنحو 15 مليون شخص، وفي اليمن تشير بعض التقديرات إلى أن 90 في المئة من الرجال في اليمن يتعاطون القات يوماً طيلة ثلاث ساعات إلى أربع ساعات، وقد تناهز نسبة الإناث اللائي يتعاطينه 50 في المئة أو أكثر من ذلك في أنحاء اليمن، وتشير نتائج إحدى الدراسات التي أُجريت لصالح البنك الدولي في الآونة الأخيرة إلى أنّ 73 في المئة من النساء في اليمن يمضغن أوراق القات بشكل متكرّر نسبياً.
والأكثر خطورة أن 15 في المئة إلى 20 في المئة من الأطفال دون سن الثانية عشرة يتعاطون القات بشكل يومي أيضاً. وتشير بعض الدراسات المعنية بالأمر إلى أن اليمنيين ينفقون، على الأقل، حوالي 50 في المئة من دخل أسرهم على تعاطي القات. والواقع يقول إن الأرقام الفعلية أكبر من ذلك بكثير، فظاهرة تعاطي القات منتشرة بشكل واسع، ولا يكاد يخلو بيت في اليمن من متعاط للقات بشكل يومي.
وشرح الطبيب اليمني حميد حسين زياد، القائم على مبادرة “يمن بلا قات” ومؤسس العديد من المستشفيات في اليمن ومنها مستشفيات للأمراض النفسية والعصبية، أسباب الظاهرة المتزايدة قائلا “يعتقد البعض في اليمن ممن ربط مضغ القات بالمناسبات الاجتماعية أنه يعزز الروابط المجتمعية بحكم أن الناس يمضغونه في المجالس، لكن العكس هو الصحيح؛ فالإنسان يصبح انطوائياً بعد فترة طويلة من تعاطيه القات لأنه حين يصل إلى مستوى معين من الإدمان لا يتقبل الآخرين وحتى لا يتقبل الزوج زوجته ولا الزوجة زوجها.”
وكشف الطبيب في تصريحات لموقع “دويتشه فيله” عن خطة إستراتيجية للمؤسسة للقضاء على تعاطي القات بالتدريج في اليمن والتحضير لمؤتمر التمكين الاقتصادي بهدف إيجاد حلول وبدائل للقات، سواء كان ذلك لزارع القات أو للمتعاطي أو للبائع أو للمشتري أو للوسيط.
وتتمنى الكثير من الفتيات والنساء الإقلاع عن تعاطي القات؛ فهو يؤثر سلبا على صحتهن وعاداتهن اليومية والنوم إضافة إلى أنه يهدر النقود.
ولاحظ الطبيب حميد حسين زياد أن أكثر الفئات العمرية التي تتعاطى القات من الجنسين تتراوح بين سن الرابعة عشرة وسن الرابعة والثلاثين وتصل إلى سن الأربعين، وقال “لاحظنا إحصائياً في دراسة أجريناها عبر مستشفى للأمراض النفسية والعصبية أن قمة التعاطي تكون ما بين سن الرابعة عشرة إلى سن الثلاثين.”
واليوم أصبحت أغلب النساء يمضغن القات؛ ففي الماضي كانت فقط النساء المسنات أو المتزوجات يتعاطينه وكان من العيب أن تتناول النساء الأصغر عمرا أو الفتيات هذه المادة، لكن هذا الأمر تغير حاليا.
ويؤكد حميد حسين زياد أن نسبة انتشار تعاطي القات بين النساء وصلت في بعض المناطق اليمنية إلى نسبة 70 في المئة، ووصلت هذه النسبة بين الذكور إلى 95 في المئة.
وقالت إحدى الشابات التي تقوم ببيع القات للنساء إنها من خلال اختلاطها بصديقات وجارات وزميلات لها في مكان إقامتها لاحظت أن الكثيرات يرغبن في تعاطي القات ولكن لا يوجد من يشتري لهن القات، خاصة أن وقوف النساء لشراء القات في الأسواق لا يحظى بنظرة جيدة في المجتمع لذلك جاءتها الفكرة لإطلاق مشروع بيع القات عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.
واستطاعت الشابة تحقيق ربح جيد مستفيدة من تزايد استهلاك النساء للمادة.
ويرى متابعون أن ارتفاع نسبة تعاطي القات في أوساط النساء يعود إلى أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية، وقد ازداد بشكل ملحوظ بعد الحرب لغياب الرجال في ساحات القتال أو حتى موتهم أو جرحهم، ما يجعل المرأة تمر بحالة نفسية صعبة فتلجأ إلى تعاطي القات “لتخفيف الضغط النفسي وتهدئة الأعصاب والهروب من الواقع.”
أما الأسباب الاقتصادية التي كانت موجودة قبل الحرب وفاقمتها الحرب فتعود إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية. فتلجأ النساء إلى تعاطي القات لتقيل الشهية، وبالتالي تخفيض عدد الوجبات إلى وجبة واحدة فقط بدلاً من ثلاث وجبات، كما تستخدم أغلب النساء مضغ القات كوسيلة للتخفيف من الوزن.
ومن أسباب التوترات الاجتماعية الخلافات بين أفراد الأسرة الواحدة أو بين الزوجين أو بين الأسر. وتعاطي القات يساعد النساء وكذلك الرجال على الإحساس بالهدوء والشعور بالراحة والنشوة. كما أن بعض الرجال في المجتمع اليمني يرغبون في أن تتعاطى نساؤهم القات إلى جوارهم في جلساتهم العائلية الخاصة.
وعززت فترة الحرب اليمنية وكذلك فترة جائحة كورونا بقاء الناس لأوقات طويلة في بيوتهم في ظل البطالة والفراغ وقلة العمل، وهو ما دفع النساء والرجال إلى سد الفراغ بمضغ القات.
ويرى الطبيب اليمني حميد حسين زياد أن مضغ القات بدأ بالانتشار في أوساط النساء حتى قبل الحرب والتغيير المجتمعي، وقال “في الريف تشارك النساء في زراعة وقطف القات، ما جعله في متناول اليد.” وبالنسبة إلى المدن صار مضغ القات نوعاً من “البرستيج” ومؤشراً على المكانة الاجتماعية.
وحذر الطبيب من العواقب على الموظفات أو الموظفين الذين يصرفون رواتبهم في أول أسبوع على القات ثم يضطرون بعد ذلك إلى الانخراط في مجال الفساد المالي في أماكن عملهم بتلقي الرشوة التي تسمى “حق القات” أو الاستدانة أو حتى بيع مقتنيات البيت وأثاثه.
كما شدد على خطورة العواقب الصحية للقات التي قد تؤدي في حالة الإدمان الشديد إلى أمراض نفسية أو حتى إلى مرض انفصام الشخصية، إضافة إلى المبيدات الحشرية المستخدمة أثناء زراعة القات “والتي تدخل في تركيبة القات ولا ينفع غسله قبل مضغه في هذه الحالة” وقد تؤدي إلى الإصابة بالسرطان.
واتفقت جميع اليمنيات المتعاطيات للقات على مخاطر القات من حيث إهمال النساء لأطفالهن في الشوارع وهو ما قد يؤدي إلى حوادث سير أو حتى إلى نزاعات بين الأطفال تتطور إلى خلافات بين الكبار قد تؤدي في بعض الحالات إلى القتل، أو إهمال من الناحية التعليمية وهو ما قد يسفر عن رسوب الأطفال في المدارس.
ولاحظت إحدى الأمهات أن القات يؤثر على المرأة الماضغة للقات بمرور الوقت ويؤثر على الأعصاب وقوة التحمل وكذلك يسد شهيتها للأكل ما يؤدي إلى نقص الفيتامينات داخل جسم المرأة، وهذا يسبب لها في ما بعد العديد من الأمراض، ويقلل من نسبة الحليب بالنسبة إلى المرضعات.
ويعزو خبراء ومختصون هذه الظاهرة إلى عوامل نفسية واجتماعية متعددة في بلد يعاني مشاكل كثيرة.
وتقول الخبيرة الاجتماعية والنفسية بشرى العريقي إن “ظاهرة تعاطي القات انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل كبير بين الفتيات اليمنيات، وتبدأ لدى البعض منهن بعد سن البلوغ أو إكمالهنَّ الثانوية العامة، أو المشاركة في المناسبات مع والدتهنَّ، أو من خلال التجربة مع الصديقات والاعتياد على تعاطي القات، أو تعرضهنَّ للزواج المبكر، ويصبحن بعد ذلك مشاركات في المجالس النسوية لتعاطي القات بشكل كبير.”
وأضافت العريقي أن “أسبابا كثيرة جعلت الفتاة تمضغ القات، مثل المشاركة الجماعية في المجتمع وتحميس الأمهات بناتهنَّ على العمل كي يزددن نشاطا ويقُمن بأعمال البيت في وقت أسرع، أو عن طريق ما تراه الفتيات من النساء واتخاذهنَّ قدوات لهنّ لممارسة هذا الفعل، وكذلك تبرير الأهالي بأن الإدمان على القات أفضل من الأشياء الأخرى خاصة وأن المجتمع يتعاطى القات.”
وتابعت “نتيجة لعدم توفر متنفسات لدى الفتاة تعتبر القات مخرجا ومنقذا ومنفذا لها من ساعات الفراغ الطويلة، بالإضافة إلى ظن الأسرة أن البنت أفضل لها أن تجلس لمضغ القات بدلًا من انشغالها بأشياء أسوأ كالخروج مع الصديقات والمطالبة بالمال للتسوق باستمرار، وغير ذلك.”
وبشأن الأضرار النفسية حذرت العريقي من أن “تعاطي القات في سن مبكرة يجعل الفتاة مدمنة عليه باستمرار مع مرور الوقت، ويؤثر عليها في النوم والأكل وتغيير مزاجها طوال اليوم، كما يسبب نحولا في الجسم وأمراضا نفسية كالقلق والشعور بالضيق والاكتئاب، وغير ذلك.”
واقترحت بعض الحلول لهذه الظاهرة قائلة “يجب توفير وسائل ترفيهية للفتيات وبأسعار تتناسب مع أكثر فئات المجتمع عددا، وتوعية الأهالي بمخاطر القات، وبناء أهداف لدى الفتيات في الأسرة والمدرسة والعمل على تطويرها بأكثر من مجال.”