في أحد الأحياء الشعبية بمدينة تعز، يجلس حسن العمري، الأب لخمسة أطفال، أمام منزله المتواضع، يتأمل السماء وهو يحسب في ذهنه تكاليف شهر رمضان هذا العام.
لطالما كان رمضان مناسبة يملؤها الدفء، تجتمع فيها العائلة حول مائدة الإفطار، ولكن هذه السنة، يبدو الأمر مختلفًا.
يقول حسن بحسرة: “رمضان جاء ونحن عاجزون حتى عن شراء الضروريات.. حتى التمر، الذي كان لا يغيب عن موائدنا، صار من الكماليات”.
حال حسن ليس استثناءً، بل هو انعكاس لأزمة اقتصادية خانقة تضرب اليمن، إذ يهلّ شهر رمضان هذا العام وسط انهيار معيشي غير مسبوق، ما زاد من صعوبة الأوضاع على ملايين اليمنيين.
وتشهد أسعار المواد الغذائية في اليمن ارتفاعًا حادًا نتيجة تدهور سعر الريال اليمني، حيث وصل سعر صرف الدولار إلى 2278 ريالًا يمنيًا، ما ألقى بظلال قاتمة على الوضع المعيشي.
ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار المواد الأساسية بشكل جنوني، مما زاد من معاناة محدودي الدخل، لا سيما في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث يظل موظفو الدولة بلا مرتبات.
الوضع في اليمن، الذي تصفه المنظمات الأممية بأنه “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، يجعل من القدرة على توفير احتياجات رمضان حلمًا بعيد المنال لكثير من الأسر.
شراء محدود يرى الخبير الاقتصادي، فارس النجار، أن هذا التدهور الاقتصادي أثر بشكل مباشر على الأسر اليمنية، خاصةً مع قدوم شهر رمضان.
يقول النجار: “الأسر اليمنية باتت أكثر حرصًا في إنفاقها، فالأساسيات فقط هي ما يتم شراؤه، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض الدخل”.
بحسب تقارير الأمم المتحدة، 6.6 مليون يمني لا يحصلون على وجبة واحدة يوميًا، ويعاني أكثر من 21 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي.
ويشير النجار إلى أن أسعار بعض المنتجات ارتفعت بنسبة 100% خلال عام واحد، بينما شهدت منتجات أخرى ارتفاعًا بنسبة 35%، وخلال شهر واحد فقط زادت أسعار بعض السلع بنسبة 15%.
تراجع المبيعات لم يقتصر التأثير السلبي للأزمة الاقتصادية على المواطنين فقط، بل طال التجار أيضًا، حيث اشتكى العديد منهم من تراجع الإقبال على الشراء بسبب ضعف القدرة الشرائية.
ياسر البدوي، تاجر مواد غذائية في عدن، يقول: “القوة الشرائية انخفضت بشكل كبير.. الزبائن الذين كانوا يشترون كيس دقيق كاملًا، صاروا يشترون نصف كيس فقط، وبعضهم بالكيلو”، مشيرًا إلى أن المصانع بدأت بتصغير عبوات المنتجات لتناسب الميزانيات المنخفضة للمستهلكين.
أما مصطفى الكثيري، صاحب متجر في عدن، فيؤكد أن المنتجات التي كان يبيعها العام الماضي بـ2000 ريال، أصبحت اليوم تباع بـ4500 ريال، مضيفًا أن سعر الصرف غير مستقر ويتغير في اليوم الواحد أكثر من مرة، مما يتسبب في خسائر للتجار.
يرى خبراء اقتصاديون أن الحل لتجاوز المحنة المعيشية الحالية يكمن في تحسين قيمة العملة المحلية عبر سياسات نقدية أكثر فاعلية، بالإضافة إلى تعزيز دور المؤسسات الحكومية في توفير المواد الغذائية بأسعار معقولة.
ويشير الخبراء إلى أن الحكومة اليمنية حاولت خلال الفترة الماضية توفير الإمدادات الغذائية، لكنها بحاجة إلى بذل جهود أكبر في ضبط الأسعار وتحسين قيمة الريال.
بالنسبة لـ حسن العمري، فإنه لا ينتظر حلولًا اقتصادية معقدة، كل ما يتمناه هذا العام هو أن يتمكن من توفير وجبة إفطار كريمة لأطفاله، دون أن يضطر للاستدانة أو الاستغناء عن أشياء كانت بالأمس القريب ضمن أبسط حقوقه.