تؤكد الرسائل التي يطلقها قادة حزب الله والحكومة الإسرائيلية أنه لا مكان للتهدئة وأنهما مستعدان لمعركة مفتوحة، بعد التصعيد الأخير الذي يثير استنفار المجتمع الدولي في ظل دعوات متواترة للتهدئة وضبط النفس لتجنيب المنطقة مزيدا من النزيف.
وقال نائب الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية نعيم قاسم إن الجماعة دخلت مرحلة جديدة من معركتها مع إسرائيل، والتي وصفها بأنها "معركة الحساب المفتوح".
جاء ذلك في تصريحات أدلى بها الأحد خلال تشييع جثمان قيادي كبير بالجماعة قتل في القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الجمعة.
من جهته، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن الدولة العبرية وجّهت "سلسلة من الضربات لحزب الله"، مؤكدا "تصميمها" على إعادة السكان الذين نزحوا من مناطقها الشمالية الحدودية مع لبنان منذ بدء النزاع مع الحزب قبل نحو عام.
وقال نتانياهو في بيان "وجهنا في الأيام الأخيرة سلسلة من الضربات لحزب الله لم يكن يتوقعها أبدا. إذا لم يكن حزب الله قد فهم الرسالة، فأنا أؤكد لكم أنه سيفهم الرسالة" بعد هذه الضربات.
وشدد على أنه "لا يمكن لأي دولة أن تتساهل مع الهجمات على مواطنيها وعلى مدنها. نحن، دولة إسرائيل، لن نتساهل مع ذلك أيضا".
وتأتي تصريحات نتانياهو في ختام أسبوع شهد تفجير أجهزة اتصال للحزب على مدى يومين في عملية منسوبة لإسرائيل، وغارة جوية في الضاحية الجنوبية لبيروت أدت إلى مقتل عدد من قادة وحدة النخبة لقواته، وضربات جوية مكثّفة لأهداف له في جنوب لبنان السبت.
وتعهّدت السلطات الإسرائيلية استعادة الهدوء في شمال إسرائيل حتى يتمكن عشرات الآلاف من النازحين الفارين من القتال من العودة إلى منازلهم. حيث أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن قواته ستواصل السعي لتحقيق أهدافها في الحرب.
وبعد حوالى عام على اندلاع الحرب في قطاع غزة، أعلنت إسرائيل في الأيام الماضية انتقال الثقل العسكري إلى حدودها الشمالية مع لبنان، محددة لنفسها هدفا جديدا يتمثّل بإعادة السكان إلى هذه المناطق الحدودية.
وفي بيان أصدره مكتبه، قال غالانت "بدأ حزب الله يعاني تأثير" القدرات العسكرية الإسرائيلية، "ويشعرون بأنهم يتعرضون للملاحقة"، وأكد أن العمليات العسكرية "ستستمر حتى نصل إلى نقطة يمكننا فيها ضمان العودة الآمنة لمجتمعات شمال إسرائيل إلى ديارها".
وتابع "هذا هو هدفنا، وهذه هي مهمتنا، وسنستخدم الوسائل اللازمة لتحقيقها".
وتتواصل المساعي الدولية للدفع نحو التهدئة في المنطقة، إذ دعا وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي الأحد إلى "وقف فوري لإطلاق النار" بعد "التصعيد المقلق" بين إسرائيل وحزب الله اللبناني حيث أدى تصاعد التوتر عبر الحدود إلى مخاوف من اندلاع حرب شاملة.
وقال لامي في كلمة ألقاها في المؤتمر السنوي لحزب العمال "رسالتنا إلى جميع الأطراف واضحة: نحن بحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار من الجانبين حتى نتمكن من التوصل إلى تسوية سياسية، حتى يتمكن المدنيون الإسرائيليون واللبنانيون من العودة إلى منازلهم والعيش في سلام وأمان".
بدوره، حذّر الناطق باسم البيت الأبيض جون كيربي الأحد من أن "التصعيد" العسكري ليس في "مصلحة إسرائيل". وقال كيربي لشبكة "إيه.بي.سي"، "لا نعتقد أن تصعيد هذا النزاع العسكري يصب في مصلحتهم. هذا ما نقوله مباشرة لنظرائنا الإسرائيليين".
واعتبر أنه لا تزال هناك "مساحة لحل دبلوماسي" للنزاع مضيفا "هذا ما نعمل عليه" دون تقديم مزيد من التفاصيل.
وتابع كيربي أن هذا التصعيد "ليس بالتأكيد في مصلحة جميع هؤلاء الأشخاص الذين يقول رئيس الوزراء نتانياهو إنه يريد إعادتهم إلى ديارهم".
أما مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الأحد، فقد أكد أن التكتل "قلق للغاية" إزاء التصعيد في لبنان. وقال في بيان إن "الاتحاد الأوروبي قلق للغاية إزاء التصعيد في لبنان بعد هجمات الجمعة في بيروت"، داعيا إلى "وقف إطلاق النار على طول الخط الأزرق، وكذلك في غزة".
والخط الأزرق، وهو خط رسمته الأمم المتحدة عام 2000 عندما انسحبت القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان ويقوم مقام الحدود بين البلدين.
واعتبر المسؤول الأوروبي أن "المدنيين يدفعون ثمنا باهظا"، في حين يدور الأحد "قتال محتدم" سواء في إسرائيل أو لبنان.
وأشار إلى أن هؤلاء المدنيين "سيكونون مجددا أكثر من يعاني في حرب شاملة يجب تجنّبها، لا سيما عبر بذل مزيد من الجهود الدبلوماسية المكثّفة".
ويتواجد بوريل وغيره من المسؤولين هذا الأسبوع في نيويورك على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتعيش دول المنطقة حالة من الترقب مع مخاوف متزايدة من اتساع الحرب، حيث جددت وزارة الخارجية الأردنية الأحد دعوة رعاياها لمغادرة لبنان في "أقرب وقت ممكن".
وقالت الوزارة في بيان إنه "في ضوء التصعيد الذي يشهده لبنان من اعتداءات إسرائيلية متواصلة، وحرصاً على سلامة المواطنين الأردنيين، تجدد وزارة الخارجية دعوتها للمواطنين بعدم السفر إلى لبنان في الوقت الراهن، كما وتطلب من الأردنيين المقيمين والمتواجدين هناك مغادرة الأراضي اللبنانية بأقرب وقت ممكن".
وقال الناطق باسم الوزارة سفيان القضاة إن "هذه التوصية تأتي للحفاظ على سلامة المواطنين الأردنيين في لبنان، خصوصاً في ظل الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، التي تهدد أمن المنطقة برمتها".
ودعا الأردنيين في لبنان إلى "أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر، والالتزام بالتعليمات الصادرة عن الجهات اللبنانية المختصة".
وكانت الحكومة الأردنية طلبت من رعاياها في آب/أغسطس الماضي كذلك، مغادرة لبنان "بأقرب وقت ممكن"، بعد أيام من اغتيال اسرائيل القيادي العسكري البارز في حزب الله فؤاد شكر بضربة جوية في الضاحية الجنوبية.