تتردد اليمنية علوم علي على أروقة محاكم مدينة تعز في وسط اليمن، للعام الثالث على التوالي، لتحصيل حقها في الميراث بعد أن رفض إخوتها منحها حقها الشرعي في ميراث أبيها، وتشتكي تلاعب المحامين والقضاة الذين تتهمهم بالانحياز لإخوتها.
تقول لـ"العربي الجديد": "أنفقت الكثير على القضايا مع إخوتي الذين يريدون منعي من حقي في الميراث، فبعد وفاة والدي قاموا بتوزيع التركة بينهم، وحرموني وكل شقيقاتي. صبرت لأكثر من تسع سنوات على هذا الظلم، وحينما احتجت لحقي ذهبت إلى المحكمة لانتزاعه، لكن المحكمة تماطل على مدار ثلاث سنوات من دون أن يخرج حكم قضائي يعيد إليّ حقي في تركة والدي".
تمثل السيدة علي حال العديد من النساء اليمنيات اللاتي يتم حرمانهن من الميراث بحجة العادات والتقاليد في كثير من المناطق اليمنية، وتبرز الظاهرة في المناطق الريفية التي تضم نحو 70% من عدد سكان اليمن.
وخلال سنوات الحرب المتواصلة في البلاد، تعطلت سلطة القانون لصالح الأعراف والتقاليد السائدة التي ترى أن مسؤولية الإنفاق على المرأة تقع على عاتق زوجها الذي يملك القوامة.
كما تقلل العادات والتقاليد من قيمة الرجل الذي يطالب بحقوق أمه، أو الزوج الذي يطالب بحقوق زوجته، ما يجعل الرجال يتركون المطالبة بإرث النساء باعتباره عيباً اجتماعياً، ويجعل المرأة ضعيفة إزاء طلب الميراث، كونها تبقى بلا داعم أو سند في أروقة المحاكم.
ويرى قانونيون أن هناك اختلالات في القوانين اليمنية التي لا تتضمن إجراءات رادعة بحق الرجال الذين يمنعون النساء من حقهن في الميراث، ومن ضمن الإشكالات التي تعقد قضية توزيع الميراث وجود قوانين لا تنفذ بسبب سطوة العادات والتقاليد.
يقول مالك أحمد لـ"العربي الجديد"، إن والدته توفيت قبل أبيها، فقام جده بكتابة نصيبها له ولإخوته، لكن حين توفي الجد، قام الأخوال بالتحايل على الأمر، ورفضوا توريثهم نصيب أمهم الشرعي. يضيف: "لا زلنا نحاول في المحكمة انتزاع حقنا في ظل تحايل بعض القضاة الذين يحابون أخوالنا، ويرفضون منحنا حقنا الشرعي القائم على الوصية التي كتبها لنا جدي قبل وفاته".
ويقول المحامي فارس العزب، لـ"العربي الجديد"، إن "حرمان المرأة من الميراث يعد سلوكاً متفشياً، رغم أنه مخالف للشرع والقانون والعرف والإنسانية، فالله سبحانه وتعالى وضع حدوداً، وفرض على المسلمين الالتزام بها، والنص القرآني واضح في تحديد المواريث، بينما حرمان المرأة من الميراث يعد مخالفة لأمر الله ونبيه الذي قال (ألحقوا الفرائض لأصحابها)، كما أن إنكار هذه الحقوق يعتبر مخالفة للشريعة وللقانون".
ويضيف العزب: "هناك أسباب كثيرة لحرمان المرأة من الميراث، يعود أغلبها إلى اتباع العادات الجاهلية، إضافة إلى الطمع والجشع اللذين يسيطران على كثير من الناس، وهؤلاء يحتجون بالعادات والتقاليد الرائجة في بعض المناطق، والتي تفضل توريث الرجال على النساء.
كثيرون في مجتمعنا يعملون على تفضيل الرجال على النساء، وهذا ينبغي تغييره، ومن الأسباب أيضاً عدم معرفة عواقب هذا السلوك المخالف للشرع والقانون، وأحياناً تكون المرأة هي سبب حرمانها من الميراث، إما نتيجة ضعفها، أو عدم وجود من يناصرها للمطالبة بحقوقها".
ويشير المحامي إلى أن "القانون اليمني واضح في أحكام المواريث، وقانون الأحوال الشخصية يحدد الوارثين من الرجال والنساء، ويحدد أنصبتهم وفق نصوص قانونية، كما يحدد الأسهم للوارثين، ويعتبر إرث المرأة جزءاً من إرث الرجل باعتبار أن المرأة ترث نصف ما يرث الرجال، لكنّ هناك قصوراً في القانون اليمني في مسألة عدم وجود نصوص قانونية تجرم السلوك المتمثل بحرمان المرأة من الميراث".
يتابع: "يمكن العودة إلى القياس في بعض النصوص القانونية للوصول إلى تجريم هذا السلوك المخالف للشرع والقانون، ويمكن القياس على النص القانوني الخاص بأكل حقوق الناس بالباطل في هذا السياق باعتباره مسألة نصب، ويدخل هذا السلوك أيضاً تحت بند الاحتيال، أو الحصول على منفعة من شخص بطرق احتيالية، أو أساليب تتخذ صفة كاذبة، وإذا كان هذا السلوك مبنياً على معتقد إيماني لدى الشخص، فربما يتم تكييف الواقعة ضمن جرائم الردة، باعتبار أن الردة هي الإتيان بأقوال وأفعال تتناقض مع قواعد الإسلام وأركانه عن عمد وترصد، لكنْ ليس هناك نصٌّ منفرد في قانون العقوبات اليمني يجرم مسألة حرمان المرأة من الميراث".