يثير “أسطول الأشباح” الروسي، القلق في أوروبا وأمريكا، بسبب صعوبة رصده وتتبعه في البحار، بحيث لا يمكن التعرف على موقعه بدقة أو تتبع خط سيره أو إرجاع ملكيته إلى دولة أو شركة بعينها.
وتطلق تسمية “أسطول الأشباح”، على مجموعات من السفن الغامضة، التي عادة ما تُستخدم من قبل دول تواجه عقوبات على التجارة مثل أو كوريا الشمالية أو روسيا، لأجل التهرب من تلك العقوبات، فيما يعتقد أن سفن الأشباح الروسية تحديدا، لها مهامّ عسكرية ما يجعلها تثير المزيد من القلق في أوروبا والغرب.
ونجحت روسيا في التحايل على هذه العقوبات من خلال إيجاد عملاء جدد، مع الاستخدام المكثف لسفن الأشباح لإرسال النفط والغاز عبر سفن تبدو غير روسية، مع استخدام الموانئ الأوروبية نفسها أحيانا لتصدير النفط والغاز لأطراف ثالثة.
وبدأت روسيا في توسيع هذا الأسطول مع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية عليها بعد ضم شبه جزيرة القرم في 2014، واستثمرت فيه بشكل أكبر بعد الحرب على أوكرانيا 2022.
وتثار تساؤلات عديدة حول هذه السفن الضخمة، مثل كيف يمكن إخفاؤها وسط البحار الواسعة، والجواب هو أن السفن القديمة عادة لا تتبع معايير التأمين الأحدث المعروفة في عالم البحار، وهي تستخدم ما يُعرف بـ”نظام التعريف الآلي” (AIS)، وهو نظام تتبُّع مُثبَّت على السفن يعمل على تحديد موقعها من خلال تبادل البيانات إلكترونيا مع السفن القريبة الأخرى ومحطات المراقبة والأقمار الصناعية، في الوقت الفعلي وبصورة تلقائية دون تدخل من السفينة.
ومن خلال تعطيل أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بنظام التعريف الآلي، يمكن للسفينة ببساطة أن تختفي في غياهب البحار.
يستخدم نظام التعرف الآلي لتحسين السلامة البحرية من خلال توفير معلومات في الوقت الفعلي عن موقع السفينة والسرعة والمسار واسم السفينة ورقم المنظمة البحرية الدولية التابعة لها ونوع السفينة وأبعادها، وهذا تحديدا ما لا ترغب فيه روسيا أو أي دولة تود إخفاء أنشطتها البحرية عن أعين الرقابة الدولية، لذا فإنها تعمد إلى تعطيل هذا النظام في السفن المستهدفة، لتحولها ببساطة إلى أشباح.
وتمتلك السفن الروسية الشبحية آليات ملكية معقدة، حيث تُسجَّل ملكية السفن في البلدان التي لديها لوائح متساهلة، إلى جانب بناء شركات وهمية متعددة ومتنوعة ولديها مرجعيات قضائية متعددة، حتى يصعب تتبعها والكشف عن هويتها، ويتضمن ذلك أحيانا وثائق غير دقيقة المعلومات تحملها السفن حول هويتها وأصل حمولتها.
عندما تنكشف الشركات التي أُنشئت للتغطية على السفن، لسبب أو لآخر، فإن مسيرة “أسطول الأشباح” لا تتوقف، حيث تولد المزيد من الشركات البديلة لتتحكم في السفن نفسها، بعد تغيير هويتها بالكامل وإدخالها في شبكة بيروقراطية معقدة.
وعلى مدار الأشهر التالية، انضمت المزيد من السفن بطرق مشابهة إلى أسطول الظل بمعدل غير عادي؛ فبعد اثني عشر شهرا من الحرب نما الأسطول ليصل تعداده إلى نحو 600 ناقلة فيما تشير التقديرات المتحفظة إلى أن روسيا تسيّر 400 ناقلة ضمن الأسطول الشبحي الخاص بها في الوقت الراهن.
الأسطول الرمادي لا تُستخدم هذه الشركات للتعمية على حركة السفن الشبحية فقط، وكما تشير “ويندوارد”، وهي شركة متخصصة في مجال إدارة المخاطر البحرية، فإن حرب روسيا على أوكرانيا أدت إلى ظهور فئة جديدة من السفن سُمّيت”الأسطول الرمادي”، وهي ليست سفنا شبحية تماما.
لكن من الصعب التأكد من ملكيتها وامتثالها للعقوبات، وعادة ما تقوم هذه السفن بتبديل أعلامها التي تشير إلى بلد تسجيل السفينة باستمرار، وتستخدم غطاء من تلك الشركات “الفقاعية” لفعل ذلك.
وفي الوقت الراهن، يُقدَّر أن هناك نحو 1000 سفينة رمادية حول العالم، بخلاف قرابة 1400 سفينة مظلمة (شبحية)، رغم صعوبة الجزم بالعدد على وجه اليقين، بسبب الغموض الذي يلف هذا النوع من الأنشطة.
يعتقد أن أصبحت وجهة مفضلة للسفن الشبحية الروسية، حيث تضاعف عدد السفن المسجلة في الغابون خلال النصف الأول من 2023، ويُقدَّر أن السواد الأعظم من الناقلات تحت عَلَمها ليس لها مالك معلوم، ما يشير إلى روسيا بوصفها مستفيدا مُحتملا.
يقبل الروس وربما غيرهم من الدول الخاضعة للعقوبات على شراء السفن القديمة التي يمكن إخفاؤها بسهولة، لذلك يرجح أن نسبة السفن التي يزيد عمرها على عشرين عاما ضمن أسطول الناقلات العالمي ارتفعت منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، ولا تزال مرشحة للمزيد من الارتفاع.
لكن هناك الكثير من المخاطر المرتبطة بزيادة أعداد السفن القديمة التي تتمتع بتجهيزات تقنية متدنية، ومستوى صيانة دون المطلوب، ولا تحظى بتغطية تأمينية كافية، أوضحها زيادة فرص التعرض للحوادث في عرض البحر.
ويشير معهد “أميركان إنتربرايز” إلى أن 2023 وحده شهد أكثر من 40 حادثا يمكن عزوها إلى سفن شبحية، تتراوح بين فشل المحرك إلى الحرائق إلى الانفجارات والاصطدامات.