الرئيسية > عربية دولية > ملامح معركة وصدام مباشرة بين روسيا والناتو

ملامح معركة وصدام مباشرة بين روسيا والناتو

على قدم وساق، تعكف روسيا على تعزيز ترسانتها الحربية في خضم صدام محتمل مع حلف شمال الأطلسي، الذي اتخذ بدوره العديد من الإجراءات خلال الفترة الأخيرة لرفع كفاءته تحسبًا لمواجهة مباشرة يُصورها مراقبين بأنها ستكون أشبه بـ”يوم القيامة” حال تلاقي تلك القوى العظمى عسكرياً بحرب عالمية ثالثة.

 

آخر مؤشرات اقتراب تلك المواجهة، ما كشفت عنه دراسة حديثة لمعهد دراسات الحرب الأميركي ومقره واشنطن، بأن العديد من المؤشرات المالية والعسكرية الروسية تشير إلى أن موسكو تستعد لصراع تقليدي واسع النطاق مع حلف الناتو.

 

وعلى الرغم من كون الصراع بين الناتو وروسيا لا يبدو وشيكا، لكن، وفق المعهد، فمن المحتمل أن يندلع “على جدول زمني أقصر مما افترضه بعض المحللين الغربيين في البداية”.

 

ويعتقد محللون عسكريون ومراقبون في حديثهم لموقع “سكاي نيوز عربية” أن المواجهة بين روسيا والناتو مستمرة في سياق تصعيدي وليس دفاعي كما جرت العادة خلال العقود الثلاثة الماضية، في حين سيكون لعامل “الردع النووي” دور حاسم في تحديد موقف التصعيد المرتقب.

 

وأشار المحللون إلى أن على الرغم أن الصدام المباشر “لن يكون في المدى القريب”، لكننا بصدد متابعة تغيير جذري في البيئة الأمنية الأوروبية بعد اتخاذ الكثير من الإجراءات مؤخرا على رأسها انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو، ما أثار غضب روسيا التي لوحت في أكثر من مرة باتخاذ إجراءات مضادة.

 

استعدادات

بالتزامن مع فوزه بولاية رئاسية جديدة، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الغرب من أن صراعا مباشرا بين بلاده وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة يعني أن “الكوكب على بعد خطوة واحدة من الحرب العالمية الثالثة”، محذرًا من المضي قدمًا في مثل هذا السيناريو.

 

وتسببت الحرب الأوكرانية في أكبر أزمة في العلاقات بين روسيا والغرب منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، في الوقت الذي مضت الولايات المتحدة وحلفائها في حصار موسكو اقتصادياً، وتهديدها عسكرياً، ودعم كييف بكل ما تحتاجه للتصدي للترسانة الروسية.

 

ومع ذلك، يشير معهد دراسات الحرب الأميركي، إلى طبيعة الاستعدادات الروسية، بالقول إنه من المرجح أن يحاول الرئيس الروسي وضع الشروط اللازمة لتحقيق الاستقرار في الوضع المالي طويل الأجل لروسيا على مستوى أعلى من الحكومة. وبحسب الدراسة، سيتطلب هذا الاستقرار سيتطلب فرض بعض الإجراءات القاسية، على الأقل على بعض الأثرياء من رجال الأعمال”، كما يواصل الجيش الروسي إجراء إصلاحات هيكلية لدعم الحرب في أوكرانيا، في الوقت نفسه مع توسيع قدرات روسيا التقليدية على المدى الطويل.

 

استندت الدراسة إلى تصريح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، عندما أشار إلى “العديد من الجهود الجارية لتعزيز القدرات العسكرية التقليدية الروسية”، التي من المرجح أن تكون جزءا من تحضيرات موسكو طويلة المدى لحرب تقليدية محتملة ضد الناتو، لا ضد أوكرانيا فقط.

خطوات سريعة لـ”الناتو”

في المقابل، اتخذ حلف شمال الأطلسي العديد من الخطوات المتسارعة في الآونة الأخيرة واضعًا نُصب عينيه مواجهة التوتر المتزايد في صراعه مع روسيا، جاء على رأسها توسعه بضم فنلندا، ثم السويد هذا الشهر رسمياً، في خطوة تاريخية تمثل تحوّلا كبيرا للدولة الاسكندنافية التي بقيت لعقود حريصة على الحياد وعدم الانحياز العسكري، حتى خلال الحربين العالميتين والحرب الباردة.

 

اعتبرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أن انضمام السويد إلى الناتو يسلط الضوء على كيفية تغيير الحرب في أوكرانيا للأمن الأوروبي بطرق ربما لم يتوقعها الرئيس الروسي، إذ يعني انضمام السويد، بعد فنلندا، أن كل الدول الواقعة على بحر البلطيق، باستثناء روسيا، أصبحت الآن أعضاء في الناتو، في الوقت الذي أشارت “نيويورك تايمز” إلى تلك الخطوة بأنها القطعة الأخيرة في استراتيجية الناتو الرادعة بشكل حاد في بحر البلطيق وبحر الشمال، مع حماية أكبر لدول الخطوط الأمامية مثل فنلندا والنرويج ودول البلطيق، التي تقع على الحدود مع روسيا.

 

وبالتزامن مع ذلك، تخطط دول الناتو المختلفة لتطبيق “التجنيد الإجباري”، إذ يدرس الحلفاء الغربيون خيارات فرض التجنيد الإجباري أو الخدمة الوطنية، لتجنب تسرب الشباب الأوروبيون من تأدية الخدمة العسكرية، إذ قدمت فرنسا خطة لتحفيز الجنود على البقاء في الخدمة، بينما تتجه دول أخرى وعلى رأسها كرواتيا لفرض التجنيد الإجباري. كما تتزايد الضغوط على دول الحلف لبلوغ هدف “الناتو” المتمثل في تخصيص 2% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي، في وقت دعا رئيس بولندا لزيادة الإنفاق العسكري إلى 3 بالمئة من الناتج المحلي في خضم تزايد التهديدات. كما لجأ الناتو لتعزيز ترسانته الحربية حيث طلب في خطوة كبرى، شراء أسلحة مضادة للدروع من طراز “إيه تي 4″، في وقت اعتبر موقع “Warrior Maven”، ذلك تأكيدًا للالتزام الاستراتيجي للحلف بتعزيز استعداده العسكري في مواجهة التوترات الجيوسياسية المستمرة لا سيما حرب روسيا وأوكرانيا.

 

أوكرانيا تُحدد المواجهة

ويرى مدير الاستراتيجيات والتسليح بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، والمسؤول السابق في حلف شمال الأطلسي، وليام ألبيركي، أنه من المرجح أن تكون روسيا أكثر تصادمية مع الناتو إذا سقطت أوكرانيا في الحرب الراهنة.

 

وقال “ألبيركي” في تصريحات خاصة لموقع سكاي نيوز عربية: “لن أقول إن الناتو يخاف من مواجهة عسكرية واسعة النطاق مع روسيا، لكنني أود القول إنه يدرك أن روسيا تستعد لمواجهة واسعة النطاق معه وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين”.

 

وأضاف: “في الواقع، شجاعة ومثابرة الشعب الأوكراني فقط هي التي تمنع روسيا من تحويل انتباهها إلى مواجهة الناتو، لذلك نحن في الغرب مدينون لأوكرانيا بمواصلة وزيادة الدعم في الدفاع عن شعبها وسيادتها”.

 

وينظر مدير الاستراتيجيات والتسليح بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إلى خطوات الناتو الأخير على أنها تزيد من قدرات “الردع”، موضحًا أن توسّع الناتو مؤخرا بضم فنلندا ثم السويد يُقلل من الصراع في أوروبا ولا يزيده كما يعتقده البعض. وتابع: “توسع الناتو يزيد من قدراته العسكرية والدفاعية، إذ لم يعد ممكنًا لأول مرة لروسيا أن تكون قادرة على غزو دول البلطيق، كما أصبحت منطقة الشمال والبلطيق أكثر أمانًا الآن”.

 

موقف روسيا

في المقابل، يعتقد كبير محللي الشؤون الروسية في مجموعة الأزمات الدولية، أوليغ إغناتوف، أن مخاوف الاقتراب من مواجهة مباشرة وحرب عالمية ثالثة بين الناتو وروسيا صادرة عن الحلفاء الغربيين بصورة أكبر، مشددا على أن المسؤولين الروس يؤكدون أن موسكو ترغب في تجنب أي مواجهة مباشرة مع الناتو في الوقت الراهن على الأقل.

 

وأضاف إغناتوف في تصريحات خاصة لموقع سكاي نيوز عربية: “ما يقوله الكرملين هو أنه إذا نشرت الدول الغربية قواتها في أوكرانيا أو حاولت إنشاء منطقة حظر طيران في كييف، على سبيل المثال، فلا يمكن تجنب مثل هذه المواجهة، لكن لا تمتلك روسيا القوة النارية أو البشرية الكافية لشن أي هجوم تقليدي ضد إحدى دول الناتو في الوقت الحالي”.

 

وأوضح أنه بالنسبة للدول الغربية، فإن التأكيد على مثل هذه المخاطر يأتي انعكاسًا لمخاوفهم الحقيقية من عواقب هزيمة أوكرانيا في حرب مع روسيا، مضيفًا: “إنهم يعتقدون حقا أنه إذا أجبرت أوكرانيا على قبول السلام بشروط روسية، فسيكون ذلك تحديا أمنيا هائلا للغرب”.

 

كما يرى “إغناتوف” أن “مثل هذه التصريحات هي وسيلة لإبقاء الغرب موحدا في دعمه لأوكرانيا، فعلى ما يبدو، يعتقد بعض المسؤولين والسياسيين أن الحديث الآن عن تهديد الحرب بين روسيا وحلف شمال الأطلسي يساعد في الحفاظ على الدعم لأوكرانيا”.

 

سيناريو المواجهة

من جانبه، حدد الباحث المتخصص في السياسات الدفاعية، محمد حسن، لموقع “سكاي نيوز عربية”، سيناريو استمرار التصعيد بين الناتو وروسيا خلال الفترة المقبلة، موضحًا أن الموجة التاسعة الحالية المتمثلة في انضمام فنلندا والسويد للحلف، تقول بأن المواجهة بين روسيا والناتو مستمرة في سياق تصعيدي وليس دفاعي كما جرت العادة خلال العقود الأخيرة.

 

وأشار “حسن” إلى أن السياق التصعيدي يتضح في نقاط الحشد العسكري لكلا الجانبين على خطوط المواجهة من بيلاروسيا إلى بولندا، ومن البحر الأسود إلى دول البلطيق.

 

وتتفوق روسيا بشكل واضح في قدرات مجمع الصناعات الدفاعية على حلف الناتو، فيما يتفوق الحلف كمياً من حيث عدد البلدان المنضمة والتى باتت فعلا تٌشكل طوقا حول الخاصرة الغربية البرية لروسيا، وانتقلت الآن لتشكيل طوقا بحريا خانقا في بحر البلطيق الذي يتحول مع انضمام فنلندا والسويد إلى ما يشبه بحيرة أطلسية، بحسب الباحث المتخصص في السياسات الدفاعية.

 

وأكد أن هذا السياق من التصعيد والذي تم إزكاؤه بتدشين بنية تحتية نووية روسية في بيلاروسيا، يدفع حلف الناتو إلى تعزيز قدرات مجمع الصناعات الدفاعية وبحث إجراءات التجنيد الإجباري، لعدد من الاعتبارات تشمل: تفوق روسيا في قدرات التعبئة العسكرية، إذ جرت تعبئة جزئية هي الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، فيما وصلت أعداد الجيش الروسي بمرسوم رئاسي إلى ما يزيد عن مليون فرد.

 

عدم ملائمة قوة الرد السريع أو ما يُعرف بقوات الردع والدفاع لحلف الناتو لمسرح العمليات الضخم في شرق أوروبا، في اللحظة التي يشارك فيها عشرات الآلاف من الجنود الروس والأوكران في معارك حرب الشوارع في مدن وبلدات أوكرانيا، تصل جاهزية قوة الرد السريع للناتو نحو 40 ألفا.

 

من الصعب القول أننا قد اقتربنا من صدام مباشر بين الجانبين لوجود عامل الردع النووي، لكننا بصدد تغيير جذري في البيئة الأمنية الأوروبية بعد انضمام فنلندا والسويد للحلف، ليكون التساؤل إلى أي مدى تصبح أوروبا في حالة استقلال استراتيجي عن الولايات المتحدة في مهام الدفاع، وخاصة مع اقتراب عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للبيت الأبيض.