مع اندلاع حرب غزة، بات البحر الأحمر مصدر اهتمام لعدد من القوى الدولية، وخاصة بعد استخدامه من قبل الحوثيين كـ«ورقة ضغط» ضد إسرائيل ودول أخرى.
فبعد أشهر من تدشين الولايات المتحدة تحالف «حارس الازدهار» الذي يضم أكثر من 40 دولة، بغرض حماية حركة الملاحة الدولية من هجمات الحوثي، أعلنت الصين قبل أيام أن الدفعة السادسة والأربعين لأسطول الحراسة التابع للبحرية قد غادر إلى خليج عدن لـ«تنفيذ مهمة حراسة».
مهمة الحراسة الصينية في البحر الأحمر، طرحت تساؤلا حول ما إذا كانت عملية روتينية أم مقارعة للتواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط؟.
وبينما تدعي أوساط صينية أن هذا التحرك مجرد خطوة روتينية، يؤكد فريق آخر أن الأمر أبعد من ذلك، وأن الصينيين «يضعون أعينهم على مقارعة الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط». خطوة روتينية؟ اعتبر المحلل السياسي الصيني نادر رونغ، في حديث له أن إرسال القوات البحرية الصينية إلى خليج عدن هو «عملية روتينية تنفذها بكين منذ أكثر من 15 عاماً؛ لحماية السفن التجارية والمدنية من هجمات القرصنة وغيرها من المخاطر».
ودلل المحلل السياسي على وجهة نظره بقوله، إن القوات الصينية شاركت من قبل في عمليات إجلاء لمواطنين صينيين من بعض المناطق الخطرة في السنوات الماضية مثل اليمن وغيرها، مشيرًا إلى أن «هذا التواجد يأتي فقط لحماية المواطنين الصينيين وكذلك ضمان أمن الملاحة الدولية».
وحول ما إذا كانت تلك القوات ذهبت في إطار المزاحمة لأمريكا بمنطقة البحر الأحمر وغيرها من القوى المعروفة بأنها مناوئة للصين، يرى نادر رونغ أن بلاده لا تضع في اعتبارها أي دولة ولا تستهدف مزاحمة أحد، مشدداً على أن بكين تتمسك بموقف حيادي تجاه جميع دول الشرق الأوسط وتحترم سيادتها وتريد الاستقرار والسلام ولا تتدخل في شؤونها.
وأوضح أن «الصين لم تشارك في أية عمليات عسكرية في هذه المنطقة، كما أنها تؤكد مراراً وتكراراً أن المخرج الوحيد للأزمات في المنطقة هي الطرق الدبلوماسية والتفاوض والحوار»، لافتاً إلى أن تحركات الصين البحرية ليست ذات صلة بأية تصرفات لدول أخرى.
ويتكون أسطول الحراسة الذي تحرك نحو خليج عدن والمياه الصومالية من مدمرة الصواريخ “جياوتسو” وفرقاطة الصواريخ “شيويتشانغ”، السفينة اللوجستية “هونغهو”، كما أنه مزود بمروحيتين وعشرات الجنود من القوات الخاصة الذين يصل عددهم إلى نحو 700، بحسب وسائل إعلام رسمية صينية.
وقد كلفت هجمات الحوثيين – التي بدأت منذ 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي– حركة التجارة الدولية خسائر باهظة، على نحو اضطر كثيراً من الشركات إلى تجنب المرور بالبحر الأحمر والمرور قبالة جنوب أفريقيا، ما يعني مزيداً من التكلفة ووقتاً أطول.
هدفان صينيان إلا أن أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج تاون الأمريكية الدكتور نبيل ميخائيل لا يتفق كثيراً مع ما قاله المحلل السياسي الصيني، مشيرًا إلى أن تحرك الصين “يحمل الهدفين معاً؛ أي حماية التجارة وكذلك إثبات التواجد في البجر الأحمر».
وأوضح، أستاذ العلوم السياسية ، أن الصين تريد حماية التجارة ومزاحمة الولايات المتحدة في البحر الأحمر والتي تقود تحالفاً يضم بريطانيا يستهدف الحوثيين، مشيراً إلى أن الخطوة الصينية لها العديد من المدلولات الاستراتيجية.
أول هذه المدلولات، أن الصين لديها قاعدة بحرية في جيبوتي، ما يعني أن إرسالها قوات بحرية جديدة بمثابة تعزيز وجود عسكري سابق في المنطقة، مشيراً إلى أن ثاني المدلولات أن الصين تريد إثبات وجودها في مواجهة واشنطن وتأخذ في الاعتبار أن هناك عدة قوى ودول أخرى ترسل قوات بحرية إلى منطقة البحر الأحمر وخليج عدن وغيرها.
دور صيني أكبر واتفق معه المحلل السياسي العراقي حازم العبيدي إن الصين «بات لديها شعور بأنها يمكن أن تلعب دوراً أكبر في منطقة الشرق الأوسط، ويمكنها أن تنضم أو تشكل محوراً مناوئا للولايات المتحدة».
وأوضح أن “التواجد العسكري الصيني، من شأنه إعادة رسم خريطة النفوذ في البحر الأحمر، والتي يعاد تشكيلها في الشرق الأوسط ككل».
وتتعدد المصالح الصينية في منطقة البحر الأحمر، فهي حسب تقارير رسمية صاحبة تجارة ضخمة وصلت إلى 5.87 تريليون دولار بين صادرات وواردات خلال العام الماضي، كما أن البحر الأحمر ممر رئيسي ضمن مبادرة الحزام والطريق، ناهيك عن بحارتها الذين يتواجدون على ظهر كثير من السفن العابرة للبحار والمحيطات