لم ترد إسرائيل عسكريا على الهجمات الصاروخية وبالطائرات المسيرة التي شنتها مليشيات الحوثي في اليمن، لأسباب عسكرية وسياسية وجغرافية يوضحها خبراء، منها تلقي تل أبيب نصيحة أمريكية، سبق وتلقت مثلها عام 1991.
واكتفت إسرائيل، حتى الآن بالتصدي فقط للهجمات الحوثية، عكس ما تفعل مع سوريا ولبنان؛ حيث قصفت مواقع بداخلهما، ردا على هجمات شنتها فصائل مسلحة من أراضيهما عليها.
وأرسلت تل أبيب ردودا إعلامية على لسان بعض مسؤوليها، حيث علق المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري في 31 أكتوبر على الهجمات بقوله إن الحوثيين يريدون تشتيت انتباه تل أبيب عن المعركة في غزة.
وأكد في نفس الوقت أن الجيش يعرف كيف يدافع عن إسرائيل "حال كان ذلك ضروريا"، مشيرا للتعاون مع الولايات المتحدة في ذلك.
وخلال زيارته لسرب "أدير" لمقاتلات الشبح "إف 35" في القاعدة الجوية الإسرائيلية، بعث رئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي، برسالة لمن يهدد بفتح جبهات قتال أخرى: "نحن في كل الوقت في جاهزية لمناطق أخرى".
وأعلنت ميليشيات الحوثي خلال الأسابيع الأخيرة شن هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ على جنوب إسرائيل قائلة إنها دعما للفلسطينيين في معاركهم التي بدأت 7 أكتوبر مع تل أبيب ومتعهدة بالمزيد.
ومن أبرز هذه الهجمات كانت يوم الخميس 9 نوفمبر، إذ أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على منصة "إكس" أن دفاعات الجيش الجوية اعترضت بنظام السهم "حيتس" صاروخا أطلق من اليمن قبل دخوله المجال الجوي.
في أول نوفمبر قال المتحدث باسم قوات مليشيات الحوثيين، يحيي سريع، على "إكس"، إنهم أطلقوا طائرات بدون طيار نحو إسرائيل، بعضها وصل إلى أهداف بداخلها.
في 31 أكتوبر أعلن ذات المتحدث الحوثي في بيان تلفزيوني إطلاق دفعة كبيرة من الصواريخ الباليستية وعدد كبير من الطائرات المسيرة باتجاه إسرائيل، قائلا إنها العملية الثالثة "نصرة لإخواننا في فلسطين.
اتهمت إسرائيل الحوثيين بشن هجمات بطائرات مسيرة في 27 أكتوبر باتجاه جنوب إسرائيل، إلا أن طائراتها اعترضتها.
> نصيحة أمريكية يصف الباحث في العلاقات الدولية جاسر مطر، الهجمات الحوثية بأنها "ضجيج بلا طحين"، مستشهدا بأنها "لم تسبب أي أضرار" لإسرائيل.
وعن الهدف من استمرار الهجمات رغم ذلك، وعدم رد إسرائيل بهجمات مضادة، يقول مطر: الحوثي يسعى لمكاسب سياسية في الساحة الداخلية، أما مشاركته في الحرب فهي غير منطقية والهجمات التي يقوم بها تؤكد ذلك.
إن عدم رد إسرائيل على اليمن هو نصيحة أميركية على غرار نصيحتها لها بعدم ضرب العراق وقت حرب الخليج (عام 1991)، عندما أطلقت بغداد صواريخ على إسرائيل بهدف تحقيق مكاسب سياسية أيضا.
إذا فكرت إسرائيل في الرد وأطلقت طائرتها لضرب الحوثي، فهذا يعني عبور تلك الطائرات أجواء دول في المنطقة، وفي هذا الوقت الاستقرار مع هذه الدول مطلوب للغاية.
إسرائيل أيضا تعتمد على الولايات المتحدة في تأمين البحر الأحمر والرد على الهجمات اليمنية، وفي بداية الصراع اعترضت واشنطن صواريخ أطلقت من اليمن تجاه إسرائيل.
المسافة من إسرائيل حتى اليمن تتخطى 2000 كم ولذا سيكون مرهقا للغاية إذا فكرت إسرائيل في ضرب اليمن، وفي نفس الوقت الحوثي ليس لديه الإمكانيات الكبيرة لتوجيه ضربة على إسرائيل تستدعى الرد، أما شنه الهجمات الأخيرة، فاعتقد أنها رسالة لإسرائيل بأن سوريا ولبنان واليمن سيكونون محاور قتال حال التصعيد.
إلا أن مشاركة هذه الدول في هذا القتال غير واقعية، وستكون مكلفة للغاية، إلا إذا اتخذتها إيران قاعدة لتوجيه ضربات لإسرائيل حال اتساع الصراع، لكن إيران تضع لبنان في مقدمة الدول التي ستعتمد عليها لقرب حدودها مع إسرائيل.
> سعي الحوثيين لكسب الشرعية يسعى الحوثيون إلى كسب نفوذ وشرعية في اليمن والمنطقة من خلال إطلاقهم صواريخ ومسيّرات على إسرائيل، رغم أن هجماتهم لا تشكّل تهديدًا جديًا للدولة العبرية، بحسب محللين.
وأطلق المتمرّدون الحوثيون صواريخ ومسيّرات باتجاه إسرائيل، ردًا على استهداف حركة حماس في قطاع غزة، إلا أن تل أبيب تؤكد في أغلب الأحيان أنها فشلت في بلوغ أهدافها.
ورغم ذلك، اعتبر أن ما يطلقه الحوثيون يفرض "ضغطا إضافيا" على الدفاعات الإسرائيلية في ظل الحاجة إليها في الشمال، حيث يسجّل تبادل يومي للقصف مع حزب الله اللبناني.
واندلع النزاع في اليمن عام 2014 وسيطر الحوثيون المدعومون من إيران على مناطق شاسعة في البلاد بينها العاصمة صنعاء، وفي العام التالي، تدخّلت السعودية على رأس تحالف عسكري دعمًا للحكومة، ما فاقم النزاع الذي خلّف مئات آلاف القتلى وتسبب بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
> الأسلحة بعيدة المدى من أجل بلوغ أقصى جنوب إسرائيل، يتعيّن على المتمردين الذين يسيطرون على مناطق شاسعة على الساحل الشمالي الغربي لليمن، إطلاق مقذوفات لا يقلّ مداها عن 1600 كلم.
وتضم ترسانة الحوثيين صواريخ بالستية من طراز "طوفان"، وهي في الأساس صواريخ "قدر" الإيرانية لكن أعيد تسميتها، ويتراوح مداها بين 1600 و1900 كلم، بحسب الخبير العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فابيان هينز.
وقال هينز لوكالة فرانس برس إن هذه الصواريخ "غير دقيقة إلى حدّ كبير، على الأقلّ في النسخ التي استعرضوها، لكن يُفترض أن تكون قادرة على بلوغ إسرائيل".
وقال كبير محللي الشرق الأوسط لدى مجموعة "نافانتي" الاستشارية الأميركية محمد الباشا لفرانس برس إن الحوثيين كشفوا عن ترسانتهم من صواريخ "طوفان" قبل أسابيع من شنّ حركة حماس هجومها على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ويقول مسؤولون عسكريون في صفوفهم إنهم استطاعوا تصنيع صواريخ ومدرعات ومسيّرات، ويملك المتمرّدون أيضًا صواريخ "كروز" إيرانية من طراز "قدس"، بحسب هينز.
وتتوافر نسخ عدة من هذه الصواريخ، بعضها يبلغ مداه حوالي 1650 كلم، "ما يكفي للوصول إلى إسرائيل"، وفق الخبير هينز.
وعام 2022 أعلن الحوثيون استخدام صواريخ "قدس 2" لاستهداف العاصمة الإماراتية أبوظبي، وعبرت الصواريخ آنذاك مسافة 1126 كلم من شمال اليمن، كما أطلق الحوثيون صواريخ "قدس 2" عام 2020 لاستهداف منشآت في السعودية.
ويقول الحوثيون إنهم يصنّعون طائراتهم المسيّرة محليا، وكشفوا عنها في عرض عسكري أقيم في صنعاء في آذار/ مارس 2021.
وتتضمن ترسانتهم من الطائرات بدون طيار مسّيرات "شاهد- 136" الإيرانية التي تستخدمها روسيا في حربها على ويبلغ مداها حوالي ألفَي كلم، بحسب هينز، ولدى الحوثيين أيضًا مسيّرات من طراز "صماد 3".
ويقول هينز "لا نعرف مداها بشكل دقيق لكن يُفترض أن يبلغ نحو 1600 كلم"، وسبق أن استخدموها في هجماتهم على الإمارات والسعودية، ويمكن لـ "صماد 3" حمل 18 كلغ من المتفجرات، وفقا لمصادر إعلامية حوثية وخبراء.
وجاء في تقرير "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في 2020 أنّ الطائرات بدون طيار هذه "تستخدم إرشادات نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي أس) وتطير بشكل مستقل على طول نقاط الطريق المبرمجة مسبقا" نحو أهدافها.
وحذّرت واشنطن إيران وحلفاءها من توسيع رقعة النزاع، ونشرت في المنطقة غواصة وحاملتَي طائرات لـ "ردع" دخول أطراف أخرى على خط الحرب.
يذكر أن حركة حماس هي حركة مقاومة فلسطينية إسلامية، وتصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.