أثرت الانتكاسات المتتالية التي شهدتها السلطة الشرعية في محافظة مأرب الاستراتيجية، على حلفائها من القبائل التي بدت معنوياتهم منهارة أمام تقدم الحوثيين الذين باتوا يسيطرون اليوم على 12 مديرية من أصل 14 مديرية في المحافظة الغنية بالنفط والغاز، وسط ترجيحات بأن سقوطها “مسألة وقت”.
ومثلت سيطرة المتمردين الحوثيين الموالين لإيران على مديرية العبدية في غرب مأرب الشهر الماضي بعد مقاومة شرسة من قبيلة بني عبد، ضربة معنوية قاصمة للقبائل اليمنية التي سارع بعضها إلى عقد اتفاقات مع جماعة الحوثيين على غرار ما حدث في مديرية جبل مراد، حيث لم تسجل أي مقاومة تذكر من قبيلة مراد أثناء دخول المتمردين إليها. ويقول مراقبون إن عمليات التنكيل التي تعرض لها أبناء قبيلة بني عبد في العبدية عقب اجتياحها وخذلان الجيش لهم كان لها وقع كبير على صمود باقي القبائل، لاسيما في ظل حالة من التململ لديها من طريقة إدارة السلطة الشرعية والتحالف العربي بقيادة السعودية للمعركة.
ويشير المراقبون إلى أن المتمردين الحوثيين نجحوا بشكل واضح في كسر إرادة القبائل، سواء من خلال الحرب النفسية التي خاضوها، وأيضا من خلال محاولة اختراق صفوف تلك القبائل عبر عقد اتفاقات سرية مع عدد منها.
ويلفت هؤلاء إلى أن العامل الأساس الذي أنتج هذا الوضع المهتز للقبائل يعود إلى الانقسامات بين أجنحة الشرعية نفسها، وشعور عام لدى القبائل بخذلان القوات الحكومية لها، من خلال الدفع بها إلى تصدر الجبهات، في مقابل مردود هزيل لعناصرها.
واعتمد الجيش اليمني منذ فترة مبكرة على القبائل في مواجهة الحوثيين في مأرب وعدد من المحافظات مقابل منح تلك القبائل رتبا عسكرية وهو الأمر الذي ألقى بأعباء صد الهجمات الحوثية على الأخيرة التي تفتقر للتدريب والانضباط العسكري.
وكان من المفترض أن تركز السلطة الشرعية على تأسيس جيش وطني حقيقي، بيد أنها انغمست في صراعاتها وحسابات داعميها فضلا عن تفشي ظاهرة الفساد داخل المؤسسة العسكرية، واستمر بذلك الرهان على المقاتلين القبليين.
ومع تقدم الحوثيين في معظم الجبهات العسكرية وسيطرتهم على محافظات الجوف والبيضاء وتقدمهم في مأرب، برزت إلى السطح الفجوة الهائلة في الإمكانيات بين الجيش والمتمردين، وشعر رجال القبائل بأنه تم التغرير بهم بعد تحميلهم عبء المواجهة على مدى السبع سنوات الماضية، في الوقت الذي انكشفت حقيقة الجيش الوطني اليمني الذي كان الجزء الأكبر منه مجرد أسماء وهمية على الكشوفات.
ويقول نشطاء يمنيون إن الخيانات التي اقترفتها بعض القوى وفي مقدمتهم حزب الإصلاح الإخواني الذي عمد إلى تسليم عدد من المديريات في محافظة شبوة شرقي اليمن كمديرية بيحان على طبق من فضة للحوثيين انعكست أيضا سلبا على القبائل في مأرب.
ولطالما اتسمت العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والقبائل بحالة مد وجزر، فقد سعى الإخوان على مدار عمر الحرب لاستغلال القبائل أحيانا وتحجيمهم احيانا أخرى في المحافظات ذات الطابع القبلي التي سيطروا عليها مثل الجوف وشبوة ومأرب، ولكن اليوم أمام المتغيرات الجارية والتقارب الإخواني الحوثي فإن العلاقة تتجه إلى القطيعة.
ويرى النشطاء أنه في حال استمر الوضع الراهن ولم تقدم القوات الحكومية والتحالف العربي على تغيير أسلوب التعاطي مع المعركة من خلال حشد الدعم الميداني وعدم الاقتصار فقط على الغطاء الجوي، فمن المتوقع أن يتكرر مشهد استسلام مقاتلي القبائل، وبالتالي سقوط كامل المحافظة بيد الحوثيين.
وتؤيد ميساء شجاع الدين الباحثة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية هذه القراءة حيث تقول إن “مسألة سيطرة الحوثيين على كل مأرب أصبحت مسألة وقت، لكن الأمر قد يستغرق عدة شهور، إلا في حال حصل تغيير في أداء القوات الحكومية من حيث إنهاء الانقسام الذي تسبب في خسارتها مناطق عديدة وحصولها على أسلحة نوعية” متطورة من التحالف.
وإذا سقطت محافظة مأرب في أيدي الحوثيين، فإن موازين القوى على الأرض ستختل بالكامل لصالح الحوثيين، وسيجعل هذا الوضع المتمردين في موقف قوة عند بحث التسوية السياسية، ويرى محللون أن ما سيحدث في مأرب سيحدد أيضا مصير السلطة الشرعية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي.
وأعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع الثلاثاء أنهم سيطروا على مديريتي الجوبة وجبل مراد في مأرب، قائلا “يتقدم الآن في هذه اللحظات مجاهدونا الأبطال باتجاه المدينة (مأرب)”.
ونجح الحوثيون في بسط سيطرتهم على معظم مناطق مأرب، المحافظة الوحيدة المنتجة للغاز في اليمن والتي تضم أحد أكبر حقول النفط في البلاد في منطقة الوادي التي لا تزال مع مدينة مأرب تحت سيطرة الحكومة.
ولم يتضح ما إذا كان الحوثيون سيشنون هجوما مباشرا على عاصمة محافظة مأرب أم سيتحركون للسيطرة على منشآت النفط والغاز القريبة ومحاصرة المدينة.
وتقول القوات الحكومية إنها لن تستسلم. وقال مصدران عسكريان ومسؤول محلي إن الخنادق وأكياس الرمل والألغام الأرضية منتشرة في أنحاء المدينة.
ويعتبر قائد عسكري في القوات الحكومية أن “خيارات الحوثيين محدودة لأنهم لو اتجهوا عبر الصحراء نحو منطقة حقول الغاز والنفط شرق مأرب، فإنهم سيكونون فريسة سهلة لمقاتلات التحالف. ولهذا سيحاولون تطويق مدينة مأرب من الجهات الثلاث، ولكن لدينا القدرة على الصمود والمواجهة وسنكسر قوتهم”.
وتقع مأرب شرقي صنعاء التي سيطر عليها الحوثيون مع معظم شمال اليمن في 2014 عندما أطاحوا بالحكومة، مما دفع السعودية إلى التدخل عبر تحالف عسكري لوقف تمدد الجماعة المدعومة من إيران.
ويكتفي المجتمع الدولي بإصدار بيانات منددة بالتجاوزات والانتهاكات التي يقترفها الحوثيون بحق المدنيين في مأرب، ويرى متابعون أن موقف المجتمع الدولي غير مفاجئ حيث أن الجميع ينتظر ما ستسفر عنه المعركة قبل الانطلاق في بحث جاد للتسوية.
وقالت إيرين هاتشينسون مديرة المجلس النرويجي للاجئين في اليمن “قلقنا المباشر يتعلق بسلامة المدنيين وحمايتهم في مأرب. ففي الأشهر الستة الأولى فقط من هذا العام، قُتل أو جُرح عدد من المدنيين أكبر من مجموعهم في العامين الماضيين”.