تستغل جماعة الحوثي ضعف الموقف الدولي لابتزاز السلطة الشرعية في اليمن، وآخر خطواتها في هذا السياق التهديد بإيقاف إنتاج الغاز في مأرب والذي يغذي كامل المناطق اليمنية بما فيها تلك الواقعة تحت سيطرة الجماعة الموالية لإيران.
ويصوب الحوثيون هذه الأيام أنظارهم على الغاز المتدفق من محافظة مأرب بعد نجاحهم في تعطيل صادرات نفط المحافظات الجنوبية، في محاولة من قبل الجماعة الموالية لإيران لفرض تقاسم الموارد الاقتصادية مع السلطة الشرعية بما يشمل الثروات الطبيعية. وكان الحوثيون طرحوا تقاسم عائدات النفط والغاز مع السلطة اليمنية كأحد الشروط خلال المفاوضات مع السعودية التي جرت برعاية عمانية، لكن المملكة التزمت الصمت ولم ترد، في موقف فهم منه الحوثيون أنه رفض لمطالبهم.
ويرى متابعون أن الجماعة تحاول اليوم إجبار السلطة اليمنية على الخضوع والقبول بهذا الشرط من خلال مساومتها بتعطيل قدرتها على إنتاج وتصدير النفط والغاز في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وهددت الحكومة التابعة لجماعة الحوثي غير المعترف بها دوليا بوقف إنتاج غاز مأرب، بالتوازي مع نقل صواريخ باليستية ونصب منصات لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة في محافظتي مأرب والجوف.
وقالت حكومة صنعاء الخميس، إنها ستلجأ إلى إيقاف إنتاج الغاز، وإنها ستجبر الحكومة المعترف بها دوليا على استيراده من الخارج إذا رفضت تقاسم عائداته مع “كافة أبناء الشعب اليمني". وأضاف نائب وزير خارجية حكومة الحوثيين حسين العزي "إن تلك النفوس التي تسمح لأصحابها بالاستحواذ على نفط وغاز اليمن هي بكل أسف نفوس مريضة تعاني من تصحر في الضمير وجفاف في قيم الخير والمحبة".
وتوجه العزي في تغريدة عبر حسابه على تويتر إلى السلطات المحلية في مأرب التي تخضع لسيطرة حزب التجمع الوطني للإصلاح، قائلا "أيها الجشعون بمديرية مأرب: هذه الثروة ملك 40 مليوناً من أهلكم، وأملي أن تقاسموهم إيراداتها قبل أن نقول اتركوها في باطن الأرض واشتروا من الخارج كما نشتري".
وتمتلك مأرب احتياطات مهمة من النفط والغاز. وتوجد فيها مصفاة "صافر"، وهي واحدة من أصل اثنتين في اليمن، وأنشئت المصفاة في عام 1986 بطاقة إنتاج بلغت 10 آلاف برميل يوميا في حينه.
وذكر تقرير صادر في أواخر عام 2019 عن وزارة النفط والمعادن اليمنية أن إنتاج مأرب بات يصل إلى 20 ألف برميل يوميا. وتقوم مأرب بتزويد كل محافظات اليمن بالغاز حتى تلك الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وقد شن الحوثيون خلال السنوات الأخيرة العديد من العمليات العسكرية في مأرب كان أشدها تلك التي جرت في العام 2020 واستمرت لنحو عامين، تمكنوا خلالها من السيطرة على معظم مساحة المحافظة لكنهم فشلوا في الوصول إلى المناطق الغنية بالنفط والغاز. وعقد حزب الإصلاح وهو الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين تفاهمات مع الحوثيين من بين بنوده إمداد مناطق سيطرتهم بالغاز، لكن الجماعة الموالية لإيران لم تعد ترغب في المضي في تلك التفاهمات، وتعتبر أن الوقت قد حان لاتفاق جديد يتم بموجبه تقاسم عائدات المنطقة.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر عسكرية قولها إن جماعة الحوثي نقلت الأسبوع الجاري صواريخ باليستية من مخازنها بصنعاء إلى محافظتي مأرب والجوف (شمالي شرق اليمن) ونصبتها في مواقع تحتلها بجبهات القتال. وحذرت المصادر من أن هذه التحركات تندرج في سياق استعدادات الجماعة لشن هجوم في محاولة لإسقاط مدينة مأرب. وقالت المصادر اليمنية إن "ميليشيا الحوثي نصبت منصات لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة في عدة جبهات، بينها مديريتا صرواح غربي مأرب والجوبة جنوبي مأرب، وكذلك في مواقع شرقي الجوف، بالإضافة إلى حفر خنادق في هذه الجبهات، في سياق استعدادها للهجوم على مأرب من عدة اتجاهات".
وكانت الشركة اليمنية للغاز (مقرها مأرب) كشفت في وقت سابق أن جماعة الحوثي تمنع منذ أسابيع وصول الغاز القادم من مأرب إلى مناطق سيطرتها وتستبدله بالغاز المستورد على الرغم من فارق الكلفة.
وأكدت أن الجماعة الموالية لإيران فرضت على السكان شراء الغاز المستورد عبر ميناء الحديدة والذي يباع للوكلاء بسعر 7200 ريال للأسطوانة الواحدة، ومنعت بيع الغاز المحلي بمبلغ 4500 للمواطنين.
ولفتت الشركة إلى أن "الميليشيا لا تكترث لمصير قرابة 25 مليون مواطن في تلك المحافظات التي تسيطر عليها بعد أن حولت تلك المناطق إلى سجن مفتوح تمارس فيه كل أساليب القمع وأنواع الظلم".
وأقدمت جماعة الحوثي قبل أشهر قليلة على استهداف موانئ لنقل النفط في جنوب البلاد، ما أدى إلى إيقاف عمليات التصدير، وهو ما فاقم الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد.
وأدى توقف صادرات النفط إلى خسارة اليمن لنحو مليار دولار فيما انكمش الاقتصاد إلى النصف، لكون النفط المصدر الأكبر للدخل.
ويرى مراقبون أن الجماعة تستفيد من ضعف الضغوط الدولية عليها، كما أنها تستفيد أيضا من حرص التحالف العربي على عدم عودة التصعيد والرهان على المسار التفاوضي الذي ترعاه جهات إقليمية ودولية.
وقال السفير البريطاني لدى اليمن المنتهية مهمته ريتشارد أوبنهايم إنه لسوء الحظ يواصل الحوثيون شن حرب اقتصادية على الحكومة اليمنية، وإن منعهم الأخير لإنتاج الغاز في مأرب وكذلك منعهم لصادرات النفط من الحكومة اليمنية عن طريق العنف، يعتبر تصرفًا غير مقبول تمامًا ويتعارض مع مطالبهم بالمضي قدما نحو السلام. جاء ذلك خلال كلمة ألقاها في حفل لتوديعه أقامته السفارة بمناسبة انتهاء فترة عمله، حيث أعلنت المملكة المتحدة تعيين عبدة شريف سفيرة جديدة خلفاً لأوبنهايم ابتداء من شهر سبتمبر المقبل.
وأضاف أوبنهايم "ستواصل المملكة المتحدة العمل مع الحكومة اليمنية بقيادة الرئيس رشاد العليمي وحلفائنا الإقليميين لدعم السلام، كما نواصل كذلك دعم المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ في تنسيق عملية يتم فيها تمثيل الفئات اليمنية، وهذا يسمح للشعب اليمني بتحقيق السلام والازدهار الذي يستحقونه".
وأشاد السفير البريطاني لدى اليمن بالمناقشات بين السعودية والحوثيين، والتي قال إنها "خطوة حاسمة نحو السلام نتطلع جميعًا إلى نجاحها". مضيفا "نحن الآن أمام فرصة ذهبية للبناء على هذا التقدم المحرز".
ويرى مراقبون أن المسار الحالي لا يؤشر على وجود رغبة جدية لدى الحوثيين في التوصل إلى سلام، وأن جل تركيزهم هو ابتزاز السلطة من أجل تحصيل مكاسب اقتصادية.