تتركز الأنظار هذه الأيام في اليمن على محافظة حضرموت التي تشهد تزاحما لأجندات متضادة، وسط مخاوف من تحول الصراع الدائر حولها بين القوى اليمنية إلى نزاع مسلح، يزيد من تعقيدات الأزمة المستمرة منذ تسع سنوات.
وعزز حزب التجمع الوطني للإصلاح مؤخرا حضوره العسكري في المحافظة الواقعة جنوب شرقي اليمن، ونشر عدة تشكيلات لاسيما في وادي وصحراء حضرموت، فيما بدا رسالة تحذير لخصمه السياسي المجلس الانتقالي من مغبة المساس بنفوذه.
وتنتشر قوات المنطقة العسكرية الأولى المحسوبة على حزب الإصلاح، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، في صحراء ووادي حضرموت منذ سنوات. وقد جرت محاولات عديدة لدفعها إلى الخروج والالتحاق بجبهات القتال ضد الحوثيين في الشمال، لكن الحزب ظل يمانع، لدواع سياسية مرتبطة برغبته في الاستئثار بالمحافظة الغنية بالنفط والحفاظ على موطئ قدم في الجنوب.
وبالتوازي مع إعادة الانتشار في المنطقة وتعزيز التحصينات عمد الحزب مؤخرا إلى التحرك إقليميا، عبر إرسال وفود حضرمية مقربة منه إلى السعودية، في محاولة منه لإقناع المملكة بضرورة وضع حد لتحركات الانتقالي.
لكن الإجابة جاءت بشكل سريع من خلال قيام رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بتعيينات عسكرية في وادي وصحراء حضرموت شملت تعيين القيادي في قوات “النخبة الحضرمية” المقرّب من المجلس الانتقالي العقيد الركن عامر عبدالله محمد بن حطيان، رئيس أركان حرب المنطقة العسكرية الأولى، خلفا للعميد يحيى أبوعوجاء، المحسوب على الإصلاح، والذي رفض الانصياع للقرار.
وأكدت الهيئة التنفيذية المساعدة للمجلس الانتقالي الجنوبي لشؤون وادي حضرموت الاثنين أن الوفد الزائر للعاصمة السعودية الرياض الذي يدعي تمثيل حضرموت لا يمثل تطلعات أبناء المحافظة، المطالبين بالحرية والاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة خلال التصعيد الشعبي في مدن وادي حضرموت، والذي توج بمليونية الخلاص.
وحمّلت الهيئة خلال اجتماع لها المنطقة العسكرية الأولى تبعات الاستحداثات، سواء ببناء المتارس أو نشر العديد من المعدات العسكرية الثقيلة في مدن وادي حضرموت.
ويرى متابعون للشأن اليمني أن حزب الإصلاح الذي فقد معظم مراكز نفوذه في الشمال يحاول الحفاظ على ما تبقى له من ثقل في عدد من المحافظات على غرار حضرموت وتعز ومأرب.
ويشير المتابعون إلى أن إصرار الحزب الإخواني على البقاء في حضرموت يعود إلى عدة دوافع من بينها ضمان ثقل له في الجنوب، وأيضا الاستئثار بثروات المحافظة الطاقية، ويلقى هذا الإصرار معارضة شديدة من المجتمع المحلي في المحافظة، كما أنه يصطدم بأجندة المجلس الانتقالي الذي يطمح إلى استعادة الدولة الجنوبية، وأن تكون حضرموت عاصمتها الثانية بعد عدن.
وكان المجلس الانتقالي حرص على عقد الدورة السادسة من الجمعية العمومية في مدينة المكلا عاصمة حضرموت في الحادي والعشرين من مايو الجاري. وهو التاريخ الذي يصادف إعلان نائب رئيس الجمهورية اليمني الأسبق علي سالم البيض، قرار فك الوحدة إبان حرب صيف العام 1994 بين القوات اليمنية التي تتشكل من مقاتلين شماليين، والقوات التي كانت تتبع الحزب الاشتراكي اليمني؛ وهي المعركة التي حُسمت لصالح الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، لكنها تركت في جسد الدولة اليمنية ندوبا تصعب معالجتها.
وجاء اختيار المجلس الانتقالي المكلا لعقد الجمعية العمومية، وهي بمثابة هيئة تشريعية، بعد أيام قليلة من عقد اللقاء التشاوري الذي ضم طيفا واسعا من المكونات السياسية والمدنية الجنوبية، وكانت الوفود الممثلة لحضرموت حاضرة بقوة في ذلك اللقاء الذي وضع خارطة طريق لإقامة الدولة الجنوبية المقبلة.
ويقول متابعون إن نجاح المجلس الانتقالي الجنوبي في تنظيم اللقاء التشاوري والمشاركة المهمة للحضرميين أثارا حالة من الرعب لدى قيادة حزب الإصلاح، الذي حاول قبل ذلك استمالة مكونات حضرموت من أجل إعلان حضرموت إقليما منفصلا.
ويشير المتابعون إلى أن معضلة الحزب في حضرموت تفاقمت لاسيما مع فشل زيارة الوفود الحضرمية الموالية له إلى الرياض، حيث كان يعتقد أن الأخيرة ستسارع إلى دعمه في ظل ما يروج عن أزمة صامتة بينها وبين الإمارات التي تدعم المجلس الانتقالي، لكن ذلك لم يتحقق.
ويوضح هؤلاء أنه بعد أن خاب الرهان على تحرك السعودية لكبح تحركات الانتقالي، يجد الحزب نفسه في زاوية حادة، تدفعه إلى اتخاذ خطوات انتحارية، من قبل الاستعداد لمواجهة عسكرية مع فصائل الانتقالي.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر سياسية يمنية قولها الاثنين إن هناك قرارا اتخذ داخل مجلس القيادة الرئاسي بشأن تولي قوات درع الوطن، بقيادة بشير المدرعي، تأمين حضرموت وإعطاء المنطقة العسكرية الأولى مهلة للانسحاب.
وقالت المصادر إن قرار تكليف قوات درع الوطن بتأمين وادي حضرموت جاء بعد مشاورات بين المجلس الانتقالي والتحالف العربي، وأضافت أن القرار جاء من أجل ضمان أمن الوادي ومنع أي فراغ أمني يمكن أن يستغله الحوثيون والتنظيمات الإرهابية.
وشددت المصادر على أن قوات المنطقة الأولى ستمنح مهلة لمغادرة حضرموت، وأوضحت أنه إذا لم تغادر القوات بحلول الموعد المحدد، فإنها ستضطر إلى المغادرة بالقوة.
ويعتبر البعض قرار تكليف قوات درع الوطن بتأمين وادي حضرموت تطوراً مهما في مسار استعادة الدولة الجنوبية، ويعدّ خطوة كبيرة من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي لتعزيز سيطرته على المحافظة وطرد قوات المنطقة الأولى.
ويرى مراقبون أن الأمور في حضرموت تنفلت من أيدي إخوان اليمن، لكن ذلك لا يعني حسم قضية حضرموت التي تعد من الملفات الشائكة التي تستوجب معالجتها ضمن التسوية النهائية للأزمة.
والتقى محافظ حضرموت مبخوت مبارك بن ماضي، الاثنين في الرياض، سفير المملكة المتحدة لدى اليمن ريتشارد أوبنهايم، حيث بحث اللقاء العلاقات الثنائية والجهود الإقليمية والدولية لإحياء العملية السياسية، وجهود وحدة الصف في حضرموت وتمثيل المحافظة في التسوية القادمة.
ودعا المحافظ بن ماضي إلى دعم عملية التنمية في حضرموت التي تعيش حالة استقرار جعلت منها أنموذجًا وشوكة الميزان في التسوية القادمة، شاكرًا دعم ومواقف التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تجاه حضرموت.
من جهته أكد السفير البريطاني على موقف بلاده الثابت مع اليمن، ودعم مجلس القيادة الرئاسي وجهود التسوية السياسية، مشيدًا بحالة الاستقرار التي جعلت من حضرموت محل تقدير الجميع، ورحّب بدعوة المحافظ لزيارة حضرموت، والوقوف إلى جانب السلطة المحلية لدعم جهودها في مجال الأمن وتوفير الخدمات والتنمية.