قالت مصادر سياسية يمنية مطلعة إن زيارة المبعوثين الأممي هانس غروندبرغ والأميركي تيموثي ليندركينغ إلى العاصمة السعودية الرياض ولقائمها برئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي على صلة وثيقة بنتائج الوساطة العمانية لتمديد الهدنة بين الحكومة اليمنية والحوثيين والمفاوضات التي تجري في العاصمة العمانية مسقط والتي وصلت إلى نقطة حرجة في ظل تشبث الحوثيين بمطالبهم.
وأشارت المصادر إلى أن الجهود الأممية والأميركية المتزامنة تأتي كمحاولة لإنقاذ المفاوضات ومنع تجدد الحرب التي باتت تلوح في أفق الأزمة اليمنية مع وصول كل جهود إحياء المسار السياسي إلى طريق مسدود.
واستقبل العليمي في الرياض الخميس ومعه عضوا المجلس عبدالله العليمي وعثمان مجلي، كلا على حدة، المبعوث الخاص للأمم المتحدة والمبعوث الأميركي إلى اليمن، وفقا لوكالة الأنباء اليمنية الرسمية التي قالت إن اللقاءات تطرقت إلى مستجدات الملف اليمني، والجهود الأممية والدولية لإحياء مسار السلام وإنهاء الحرب والمعاناة الإنسانية في اليمن.
وسبق لقاء المبعوثين مع قيادة الشرعية اليمنية لقاء بين غروندبرغ وليندركينغ، بحسب بيان صادر عن مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأميركية قال إن “المبعوث الأميركي تيم ليندركينغ التقى المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ لمناقشة الجهود لدفع عملية سلام شاملة في اليمن”. وشدد البيان على أن “العمل العسكري سيجلب معاناة أكبر”، في إشارة إلى التصعيد الذي شهدته الساحة اليمنية خلال الأيام الماضية ورسائل الحرب والقوة المتبادلة بين بين الحكومة اليمنية والحوثيين.
وتضمنت التصريحات السياسية والتحركات العسكرية على الأرض إشارات إلى استعداد الشرعية والحوثيين لخوض مرحلة جديدة من الصراع المسلح في حال وصلت جهود الوساطة العمانية لإحياء الهدنة الأممية إلى طريق مسدود، نتيجة الفشل في انتزاع أي تنازلات من قبل الحوثيين الذين يواجهون ضغطا شعبيا متزايدا في مناطق سيطرتهم بسبب تردي الأوضاع المعيشية.
وفي هذا السياق واصل رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين مهدي المشاط زيارته إلى عدد من الجبهات العسكرية في محافظات الضالع ولحج وتعز، فيما كشفت تصريحات صادرة عن عضو وفد التفاوض عبدالملك العجري عن إصرار الجماعة الحوثية على وضع الشرعية والتحالف العربي والمجتمع الدولي أمام حزمة من القرارات الصعبة، إما القبول بحزمة الشروط التي وصفها الوسطاء بالتعجيزية أو استئناف عمليات العنف الحوثية المدعومة من إيران التي تستهدف مصادر الطاقة وممرات الملاحة الدولية والتي طالت في الآونة الأخيرة موانئ تصدير النفط في المحافظات المحررة.
وقال العجري في تغريدة على تويتر “سيخرج الشعب اليمني ليقول للعالم إن الحرب نار وحصار، وما لم يتوقف القتل الاقتصادي للشعب اليمني فالحرب قائمة”. وأكد العجري أن “أولى علامات وقف الحرب إن اشتعلت هي دفع المرتبات وعودة الخدمات والتشغيل الكامل للموانئ والمطارات. وثاني تلك العلامات هي إعادة الإعمار وخروج القوات الأجنبية”.
وتكشف تغريدة عضو الوفد الحوثي المفاوض عن توسيع قائمة المطالب الحوثية لتتجاوز تلك المتعلقة بدفع رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين إلى اشتراط إنهاء دور التحالف العربي المساند للشرعية في اليمن وتكفله بإعادة الإعمار.
وعن توقعاته لمصير الهدنة في اليمن في ظل المؤشرات المتزايدة على عودة شبح الحرب، ربط إياد قاسم مدير مركز سوث 24 للأخبار والدراسات استمرار الهدنة بما أسماه “استمرار التنازلات التي تقدمها الحكومة المعترف بها دوليا لميليشيات الحوثيين”، حسب وصفه، مشيرا إلى أن “هناك طرفا وحيدا استثمر الهدنة لصالحه فقط هو الحوثي، بينما الهدنة منهارة عمليا في جنوب اليمن والمناطق المحررة، حيث لا تزال جميع موانئ ومرافق النفط تحت طائلة القصف الحوثي، الأمر الذي شل القدرة الاقتصادية للحكومة، ويهدد بانهيار اقتصادي كبير”.
وعن احتمالات نجاح الجهود الأممية والأميركية في إنقاذ الهدنة، تابع قاسم “أي مساع لتمديد الهدنة لا تضع الحسابات الخاطئة التي قادت إلى هذا الواقع في الحسبان ستضاعف وترحل التهديدات إلى مراحل مقبلة. إذا ما كانت ستنجح الجهود الدولية في إبرام هدنة جديدة أو تمديدها بالشروط السابقة، فهذا خاضع لعدة اعتبارات من أبرزها التوافق بشأن ذلك داخل المجلس الرئاسي، ووجود آلية لمنع تكرار إخفاقات الهدن السابقة، ومدى تواؤم المصالح الحوثية – الإيرانية، وقدرة السعودية على وضع إستراتيجية واضحة للجمع بين مصالحها الخاصة والمصالح الأساسية لليمنيين”.
واستبعد قاسم في ختام تصريحه لـ”العرب” العودة إلى مواجهات عسكرية واسعة النطاق خصوصا مع السعودية، لافتا إلى وجود تهديدات حوثية لمرافق النفط وخطوط الملاحة الدولية في الجنوب قد تستمر لتحقيق أكبر قدر من التنازلات العسكرية، وربما قد تندلع مواجهات في جبهات بعينها بهدف تسخين المشهد بشكل عام.
وحول نجاح جهود اللحظات الأخيرة التي يبذلها المبعوثان الأممي والأميركي لمنع انهيار الهدنة وتجدد العنف في ظل المؤشرات المتزايدة على استعداد أطراف الصراع لخوض جولة جديدة من المواجهات المسلحة، أشار الباحث السياسي اليمني ومدير المرصد الإعلامي رماح الجبري إلى أن مناطق سيطرة الميليشيا الحوثية تشهد حالة احتقان شعبية واسعة ونقمة ضدها، كون الهدنة كشفت الميليشيا وأظهرتها كعصابة لا تهتم لمصالح المواطنين وتتذرع بما تسميه العدوان لقمع المواطنين ونهب موارد الدولة خلال السنوات الماضية، ولذلك تسعى الميليشيا الحوثية لانتزاع مكاسب مادية بصرف الرواتب بهدف إسكات المواطنين في مناطق سيطرتها والتخفيف من معاناة الكثير من الناقمين ضدها أو قد تلجأ إلى استئناف المعركة العسكرية لذات الهدف وهو إسكات وقمع المواطنين بحجة أنها تخوض معركة ضد دول ما تسميه “العدوان”.
ورجح الجبري في تصريح لـ”العرب” عدم ذهاب الميليشيا الحوثية نحو الخيار العسكري في هذا التوقيت، حيث يرتبط تصعيدها بمحاولة ابتزاز المجتمع الدولي والإقليمي وتحالف دعم الشرعية أملاً في تحقيق مطالبها بما فيها صرف رواتب العسكريين من مقاتليها التي وصفها المبعوث الأميركي بأنها مستحيلة وتمثل إهانة للمجتمع الدولي.
واعتبر الجبري أن الحرب الاقتصادية التي يمارسها الحوثيون على الحكومة الشرعية باستهداف الموانئ ووقف تصدير النفط تعد ورقة أكثر قوة من استئناف المعارك العسكرية في الجبهات، لاسيما وأن الميليشيا الحوثية حاولت تغيير واقع المعركة وإسقاط مأرب خلال السنوات الماضية وعجزت عن ذلك.