يلفت نظرك بامتعاض هنا وهناك رؤية شخص مستند إلى شاصه وسيارته، وقد تدلت من سطحتها ذبائح الوعول والغزلان بالعشرات ، بينما يخطر هذا الحبيب متأبطا سلاحه ، يعلوه شعور بالنصر وأي نصر ! لا يلام ان قنع ببقرة واحدة، فهي كفيلة أن تكفيه وأسرته وجماعته ولكنه الطمع والجشع الذي أعمى الأبصار والبصائر.. في حقيقة الأمر يظهر الصيد الجائر في البر والبحر اشكالية كبرى، وتحديا عنيفا ، قد تنتج عنه مشاكل أكبر منها على المدى البعيد اجتماعيا وإنسانيا، فربما سيأتي حين من الدهر فلا تكاد تسمع فيه الأجيال القادمة -ربما بعد مضي أقل من عشر سنوات القادمة - بشيء اسمه الوعلان ولا الغزلان في هذه البيئة المهرية .. أما عن استنزاف الثروة السمكية فحدث ولا حرج ، وإذا بحثنا عن الأسباب سنجد في أولها الأنانية والجشع، والجهل المسيطر على القلوب والعقول ، فهذا الإنسان لا يعرف أنه بفعلته الشنيعة يقضي على البيئة والتوازن الطبيعية بتدميرها، وهو بذلك أيضا ينهي مصدر رزقه ورزق ابنائه وأحفاده بيده ..
في الواقع إننا نسمع كثيرا عن العمليات الأمنية وشبه الأمنية التي تهدف إلى منع هذه المظاهر البشعة، ولا تمضي يوما حتى تسمع عن قرارات قبلية ورسمية تهدف إلى الحد من هذا النزيف ، ولا اعلم صراحة إلى أين انتهت تلك التوصيات الجليلة، مع اعتقادي ان تلك قرارات ما هي إلا قرارات مؤقتة وآنية، لا تضع حلول مستدامة، ولا تعالج جوهر المسألة، لأنه ببساطة يمكن القول إن غياب السلطان وإن كان ظالما غشوما جعل من حياة الناس فوضى لا تستقيم معها حياة ..
إن نظرة سريعة من شخص عادي إلى الدول المجاورة يراها تحرص على البيئة، وتسعى في الحفاظ على الطبيعة بإنسانها وحيوانها وشجرها وحجره..في البر والبحر. أما في المناطق التي غاب السلطان عنها فلا تكاد ترى إلا انجرافا في هذا السيل، ونهلا من كأسه البائس، فهم الآن يقتلعون الأشجار الطبيعية ويضعونها فخا يأوي إليه السمك، فيجرف هذا السمك وماحمل ، أما البراري فتقع الوحوش فريسة الرصاص والبارود. إن مشهدا من تلك المشاهد كفيل بأن يحرك في الساكت شيئا يجعله يثور ويتضامن مع البيئة الجميلة التي تنشد التوازن ، إذ رأيت في سفر من اسفاري وعند مرروي بمنطقة من هذه المناطق -التي يتصل فيها البر بشجره وحيوانه بالبحر بثرواته وكنوزه - صيادين يملؤون شباكهم من هذه الأشجار الطبيعية بينما بعض السيارات ملأ بأشجار أخرى .
في الختام لا مناص من الاعتراف أن هذه الخاطرة قد لا تؤثر في مجتمع فقد زمام أموره، مجتمع خاضع لهجمات الجشع و التي تقتلع كل طبيعي وتترك للأجيال الخواء والخراب .. ولكنه تعبير عن امتعاض ونهي باللسان والقلب عن منكر مستفحل، في الوقت الذي ينشغل به الرواد والقادة والشيوخ، بالردود على الحزبيين والاستماتة في الدفاع عن أحزاب أخرى، أما البيئة والطبيعة فتواجهان المصير المجهول ، ويدمر الانسان نفسه بنفسه، فهو الآخر مصيره للانقراض إذا لم يجد الموارد التي تقيم صلبه، إذ ابتلعها انسان هذا الزمان..