توالت الأحداث وكثرت الأسباب، ويبقى بالأخير إصرار المرأة هو سيد الكلمة على مجمل تلك الظروف مهما تقيّدنا بالأعراف والتقاليد. ثمة واقع تعيشه المرأة بحضرموت يجعلها في حيرة بين الدفاع عن نفسها وبين دوامة العُرف؛ فعلى مدار الأعوام الماضية ازدادت نسبة العنف في اليمن وفي حضرموت خصوصا، وإن كانت لا توجد هناك إحصاءات مؤكدة لعام 2021، فهناك مؤشرات من خلال الشكاوى التي تصل اتحاد النساء، وتلك الحالات منها ما هو أمام مرأى الجميع وتحت سقوف المحاكم، ومنها نسبة كبيرة مخفية بين جدران البيوت.
تقول المحامية وحيدة مِثقال المسؤولة عن قسم المرأة بمديرية الأمن بالشحر: "قضايا التحرش تتصدّر القائمة بزيادة عن السنة الماضية بنسبة ١٣%، قضايا العنف الجسدي زادت بنسبة ٩ % عن السنة الماضية، والمرأة على الرغم من قدرتها اليوم على الشكوى ضد المعنِّف، ما زالت رازحة في قيود العُرف، ولو ذهبت للشكوى في المحكمة، فإن 85% من قضايا العنف بالشحر تُسحب، والسبب الرئيس لهذا يرجع إلى العُرف، وإلى عدم تجاوب الأجهزة الأمنية لشكاوى النساء".
أما مسؤولة الدائرة القانونية في اتحاد نساء اليمن بالمكلا الأستاذة علياء الحامدي، فتقول: "كان لاتحاد نساء اليمن المُكلا وعدد من منظمات المجتمع المدني في حضرموت، دور بارز في رفع الوعي لدى النساء والأسر والمجتمع وفي التبليغ عن العنف أيا كان مصدره، وبسبب استمرار الحرب والنزاعات خلال هذه الفترة في البلد، انعكس الأمر سلبا على الجانب الاقتصادي الذي تمثل في تدهور العملة وقلّة فرص العمل وانتشار كوفيد-19، وكلها عوامل، من وجهة نظري الشخصية، أدّت إلى زيادة في عدد حالات العنف ضد المرأة". وفي دراسة حديثة قامت بها مؤسسة "دار المعارف للبحوث والإحصاء" بحضرموت عام 2019، تبيَن أن نحو 42% من النساء في المكلا عاصمة محافظة حضرموت، تعرّضن إلى نوع واحد على الأقل من أنواع العنف الأسري. وأوضحت الدراسة أن نحو 18% من النساء اللاتي شملتهن الدراسة اعترفن بتعرضهن إلى عُنف بدني، مثل الضرب أو الصفع أو الرمي بأشياء معينة بغرض إلحاق الضرر.
هناك ضحايا عدّة وصلن إلى حد القتل، وذلك كان في عام 2020، وفي العام نفسه كان هناك 3 جرائم قتل لنساء بحضرموت، منها الضحية مروة البيتي، ونلحظ أنه على الرغم من ازدياد الحالات، يظلّ هناك عدم تبليغ المرأة عند تعرضها للعنف، وذلك يرجع إلى أسباب عدّة، منها الخوف من مواجهة العادات والتقاليد، عدم احترام حقوق الإنسان، التمييز النوعي، إساءة استخدام السلطة. ورغم أنه توجد اتفاقيات تحمي المرأة من العنف، مثل اتفاقيات الجمعية العامة للأمم المتحدة ١٩٤٨، ومنها المادة (١) "يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق"، والمادة (٣) "لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على نفسه"، والمادة (٥) "لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الخلطة للكرامة" -رغم تلك الاتفاقيات والقوانين، ما زال العنف قائما بدرجات متفاوتة، ولا ننسى أن نشير إلى أن هناك عنفا سياسيا تتعرض له المرأة.
والآثار التي تصيب المرأة المعنّفة كثيرة، منها ما هو نفسي، وتُقدم المرأة بسببها إلى الانعزال وإلى الانتحار أحيانا، وكذلك العدوانية والغضب الدائم، ومنها ما هو اجتماعي؛ إذ تبقى المرأة المعنفة في حالة ترى أنها عار، وقد تصل الحالة إلى انهيار الأسرة والنبذ من القبيلة، ولا ننسى الآثار الجسدية التي تكون أمام أعين الجميع، مثل الكدمات والرضوض والحروق وفقدان الأسنان. إن المرأة تجد نفسها دوما بين المطالبة بحقوقها وبين قسوة العرف؛ فلا يبقى للعدالة مكان لتحقيقها.