على رغم تصاعد الخروق العسكرية للهدنة اليمنية القائمة منذ الثاني من أبريل (نيسان) الماضي وتلويحات الحوثيين على لسان قادتهم بالعودة للقتال واستهجانهم الحديث عن تمديدها، فإن المزاج الدولي والإقليمي يدفع نحو التمديد، وهذه المرة لمدة ستة أشهر، كما ظهر جلياً في بيان الاتحاد الأوروبي.
المساعي الدولية التي عبّر عنها صراحة السفراء الغربيون لدى اليمن والمبعوث الأميركي والمسؤولون في «اللجنة الخماسية» المعنية باليمن، يواكبها في الوقت نفسه سعي أممي لإيجاد حل لمعضلة المعابر وحصار تعز؛ حيث لا يزال الحوثيون يرفضون المقترح الأممي بفتح 3 طرق من وإلى المدينة المحاصرة منذ أكثر من سبع سنوات.
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ أصدر، قبل أيام، بياناً عدّد فيه محاسن الهدنة اليمنية سواء على صعيد تدفق الوقود أو فتح مطار صنعاء، وقبل ذلك على صعيد انخفاض أعداد الضحايا المدنيين بسبب توقف القتال في مختلف الجبهات.
وفيما ينتهز المبعوث الأممي أقل من عشرة أيام لانتهاء الهدنة الممددة لجهة تكثيف الجهود والاتصالات من أجل إقناع مجلس القيادة الرئاسي وقادة الميليشيات الحوثية بالتمديد بعد الثاني من أغسطس (آب)، دفع بمستشاره العسكري الجنرال أنتوني هايورد على رأس وفد لزيارة المناطق المحررة، مع توقع أن تشمل زيارته مناطق سيطرة الحوثيين من أجل تثبيت الهدنة عسكرياً والإعداد للاجتماعات المقبلة بين ممثلي الأطراف.
موقف مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، أظهر من خلال التصريحات الأحدث الحرص على دعم الجهود الأممية والدولية لاستمرار الهدنة التي يصفها غروندبرغ نفسه بالهشة، بالتزامن مع إظهار الاستياء من عدم وفاء الميليشيات الحوثية بالتزاماتها، فيما يتعلق بإنهاء حصار تعز وفتح الطرقات.
في السياق نفسه، يشدّد مجلس القيادة الرئاسي على عدم الانتقال إلى نقاش أي ملفات أخرى، قبل التوصل إلى حل لمعضلة المعابر العالقة بسبب تعنت الحوثيين، وهو الموقف الذي لقي تفهماً من المبعوث الأممي عبر عنه في بيانه الأخير، حين أكد أن الفترة المقبلة قبل نهاية الهدنة وحتى بعد تمديدها المحتمل ستكون متركزة على فتح المعابر وحلحلة مشكلة حصار تعز، مع إشارته إلى السعي لتوسيع الهدنة وتحسينها من قبيل إضافة وجهات أخرى للسفر عبر مطار صنعاء الخاضع للميليشيات الحوثية.
الشارع السياسي في المناطق المحررة، من جهته، يرى أن الهدنة في عمومها كانت مجحفة لجهة عدم انعكاسها مباشرة على تحسين الأوضاع، مع وجود يقين لدى النخب بأن الميليشيات الحوثية لن تقبل بأي حال من الأحوال التوصل إلى سلام ينهي الانقلاب وفق المرجعيات، وهو ما يعني أنها تعد لجولة جديدة من القتال قد تكون الأعنف؛ حيث ترى أن السلام من وجهة نظرها لن يكون إلا بسيطرتها على جميع المناطق اليمنية، أو على الأقل تثبيت انقلابها في المحافظات الشمالية والإبقاء على مرحلة «اللاسلام واللاحرب» لسنوات مقبلة.
أما اليمنيون الخاضعون في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية، فيرون أن الوضع لم يتغير كثيراً مع الهدنة الأممية، فأسعار السلع في ازدياد بما في ذلك الوقود، والرواتب متوقفة والجهة المستفيدة من كل ذلك هي خزينة الميليشيات وقادتها وأتباعها، حتى فيما يتعلق بالسفر إلى الخارج عبر مطار صنعاء كان أتباع الجماعة والأثرياء هم المستفيدون بالدرجة الأولى.
وبحسب ما يراه مراقبون للشأن اليمني، سيتمكن غروندبرغ، على الأرجح وبإسناد وسطاء إقليميين، من إقناع الميليشيات الحوثية بتمديد الهدنة، لكن تحقيق أي اختراق على صعيد إنهاء حصار تعز سيظل مرهوناً بجولات أخرى من المفاوضات قد تمتد إلى ما بعد التمديد المرتقب.
- الضغط في اتجاه واحد
مع هذه المعطيات آنفة الذكر، تبرز الأصوات من داخل منظومة الحكومة منتقدة ما تصفه بـ«الضغط في اتجاه واحد»، في إشارة إلى الضغوط على مجلس القيادة الرئاسي للقبول بالهدنة وتمديدها كل مرة، مع عدم وجود ضغوط كافية على الميليشيات الحوثية تدفعها لتنفيذ التزاماتها.
هذا الاستياء عبّر عنه وكيل وزارة العدل فيصل المجيدي، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إذ يرى أن الأمم المتحدة أضحت أكثر حرصاً على تمديد الهدنة من الحوثي مع وعودها بتقديم امتيازات عكسها الحديث عن مناقشات متعلقة بوجهات أخرى للطيران من مطار صنعاء.
ويتهم الوكيل غروندبرغ بأنه «يعطي وعوداً إنشائية هلامية للشرعية ويخط اقتراحات بفتح الطرق سرعان ما يردها الحوثي فيكون جزاؤه محاولة استرضائه».
ويضيف المجيدي أن «الإدارة الأميركية ترى في تمديد الهدنة ورقة دعائية لمحاولة إنجاح زيارة بايدن للمنطقة دون أن يكون هناك أي مكاسب للشعب اليمني؛ حيث لا تزال الجبهات مشتعلة من طرف واحد بفعل خروق الحوثي والقتل المستمر في المناطق المحتلة كما هو الحال في قرية خبزة في محافظة البيضاء».
وتشير النتيجة، بحسب وكيل وزارة العدل ، إلى أن «الضغط مستمر في اتجاه واحد، حيث مجلس القيادة الرئاسي، لتمديد الهدنة دون الحصول على أي شيء سوى الوعود».
ويقول: «هناك خلل في التعاطي الدولي مع الملف، حيث ينظر للنتائج والآثار ولا تعار أسبابها أي أهمية»، ويصف ذلك «كمن يخيط الجرح دون إخراج السم»، وبالتالي «تم تحويل الملف اليمني إلى ملف إنساني بامتياز دون الرغبة في معالجة الأسباب الموضوعية للحرب»، وفق تعبيره.
وينتقد الوكيل المجيدي «استثناء الملف الإنساني الحقيقي وفقاً لكل معايير القانون الدولي الإنساني وهو ملف تعز؛ حيث يتم تبني وجهة النظر الحوثية بالنظر إليه كملف عسكري».
ومع توقعه أن يتم تمديد الهدنة، يرى وكيل وزارة العدل أن «كل هذه الجهود ستبوء بالفشل لأنه لم تتم معالجة أسباب الحرب وإنما آثارها وبقصور أيضاً»، ويؤكد أن «ملف تعز والمرتبات من عائدات النفط المتدفقة للحوثي هما حجرا الزاوية التي ستحكم بفشل أو نجاح الهدنة».
- الأولوية العسكرية
وفي الوقت الذي يرى فيه المبعوث الأممي أن الهدنة نجحت في خفض التصعيد العسكري إلى أقل مدى ممكن خلال الأشهر الأربعة على رغم الاتهامات المتبادلة، تظل هذه القضية بالنسبة له وبالنسبة للمزاج الدولي هي النقطة الأهم في الهدنة، خصوصاً أن ممثلي الحكومة والحوثيين قد قطعوا شوطاً في هذا الصدد من خلال تشكيل غرف الرقابة المشتركة التي تهدف إلى السيطرة على أعمال التصعيد والخروق على امتداد الجبهات التي تزيد على أربعين جبهة.
هذه الأولوية العسكرية للهدنة عبرت عنها أخيراً تحركات المستشار العسكري للمبعوث الأممي إلى عدن، ومن ثم إلى تعز، حيث يهدف إلى تشكيل تصور ميداني عن الجبهات مع تشجيع الأطراف على المضي قدماً في خفض التصعيد.
وذكرت المصادر ، أن محافظ تعز نبيل شمسان، اجتمع مع المستشار العسكري للمبعوث الأممي ورئيس لجنة التنسيق للشؤون العسكرية الجنرال أنتوني هايورد والوفد المرافق له، وناقش الأوضاع والتحديات العسكرية والأمنية والتمهيد لعقد اجتماعات جديدة للجنة التنسيق العسكرية.
وبحسب ما أوردته وكالة «سبأ»، استعرض شمسان المعاناة الإنسانية والأضرار الناجمة عن استمرار الحرب والحصار وإغلاق الطرقات وتفاقم حجم المعاناة نتيجة وعورة الطرق وما يترتب عن ذلك من خسائر بشرية يومية وصعوبة السفر والتنقل ومضاعفة تكاليف السلع والخدمات.
وظهر في تصريحات المحافظ شمسان الارتياح من مواقف غروندبرغ الأخيرة، حيث تشديده على ضرورة فتح الطرقات الرئيسية وتأكيده رفض الحوثيين لكل المقترحات الأممية وتنصلها والتفافها على المقترحات المقدمة بتحركات أحادية الجانب.
ونقلت المصادر عن الجنرال الأممي أنه أوضح أن «الهدف من الزيارة لمحافظة تعز يتمثل في مناقشة وفهم الأوضاع الأمنية والعسكرية والصعوبات والتحديات التي تواجه المحافظة بشكل عام والحلول الممكنة والمقترحة، وكذلك مناقشة ملف إنشاء اجتماعات لجنة التنسيق العسكرية الممثلة من الحكومة».
كما نقلت عنه وكالة «سبأ» أنه أكد على الدور المحوري والأهمية المركزية لتعز في مناقشة كل القضايا اليمنية واهتمام المبعوث الأممي بمعاناتها وبذل كل الجهود لفتح الطرقات وتسهيل حرية الحركة ومعالجة التحديات الأمنية والعسكرية والاستمرار في عقد اللقاءات لجميع الأطراف للاستمرار في بناء الثقة واستكشاف الفرص والبناء عليها لاستمرار الهدنة وتعزيز استحقاقات السلام.