مع اقتراب تولي الإدارة الأمريكية الجديدة، بدأت عمليات الحوثيين العسكرية، تأخذ منحا تصاعديا تجاه الأصول البحرية الأمريكية في مياه البحر الأحمر، ونحو إسرائيل؛ ما يضع تساؤلات عن مدى رغبة إيران في استخدام الحوثيين كورقة تفاوض مستقبلية مع واشنطن.
وأعلنت ميليشيا الحوثيين أمس الأحد، تنفيذ عملية عسكرية، استهدفت حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس هاري إس ترومان" وإسقاط إحدى المقاتلات في مياه البحر الأحمر، أثناء التصدي لهجوم عدواني على صنعاء، السبت الماضي، في حين تشير واشنطن إلى سقوط إحدى طائراتها بـ"نيران صديقة"، وإنقاذ الطيارين.
ويأتي هذا الهجوم الحوثي، بعد قرابة شهر من عملية أخرى استهدفت مدمرتين مرافقتين لحاملة الطائرات الأمريكية "لينكولن"، أثناء مرورهما في مضيق باب المندب، جنوب البحر الأحمر. ويرى خبراء ومحللون، أن تصعيد الحوثيين المتنامي، يحمل رسائل ضمنية تحاول طهران من خلالها التأكيد على استمرار قدرتها على تعطيل الاستقرار الإقليمي والدولي، رغم الضربات المتلاحقة التي تعرض لها نفوذها في المنطقة، في محاولة يائسة لتحسين موقفها.
أداة مناورة ويعتقد رئيس مركز"أبعاد للدراسات والبحوث"، عبدالسلام محمد، أن مقتل الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، "حقق طموح عبدالملك الحوثي، في قيادة ما يسمى بمحور المقاومة في المنطقة، ومكّن الحوثيين من ذلك عملياً، من خلال تصعيدهم الحالي على القوات الدولية البحرية وإسرائيل".
وقال في حديث لـ"إرم نيوز"، إن تصريحات الإيرانيين خاصة "المرشد الأعلى"، علي خامنئي، تكشف عن توجه طهران نحو تكثيف استخدام الحوثيين للمناورة في المنطقة حالياً، أملاً في الحصول على وقت كاف لدراسة خياراتها المستقبلية، وتعويض خساراتها الأخيرة.
ورجّح عبدالسلام، أن تلجأ إيران لخطوات أخرى، بالتزامن مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، "مثلا قيامها بدعم جماعات إرهابية في مناطق ما، أو إعادة التفاوض في الاتفاق النووي، أو تشجيع الحوار في اليمن، وذلك من أجل صرف الأنظار واستغلال الوقت في إعادة بناء أذرعها وإيجاد موطئ قدم جديد، ثم العودة للفوضى مرة أخرى".
تخفيف الضغوط ويقول مدير مكتب مركز "سوث 24" للأخبار والدراسات في عدن، يعقوب السفياني، لـ"إرم نيوز" إن إيران التي اعتمدت على الحوثيين في بناء توازناتها الإقليمية والدولية خلال الفترة الماضية، ستحافظ على استمرار دورهم بأنماط وصور متعددة.
وأشار إلى أن طهران تستثمر في صعود الحوثيين حالياً، "وفي حال استمرار هجماتهم البحرية ضد السفن وممرات الملاحة الدولية، حتى فترة وصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، فإن إيران ستستفيد من ذلك في تشتيت اهتمام واشنطن، وتخفيف الضغوط المفروضة".
لافتا، إلى أن إدارة ترامب، "معروفة بمواقفها القوية والحازمة ضد إيران، وهي لا تؤمن كثيراً بالتفاوض معها، على العكس من فترة إدارة بايدن، التي حصل الإيرانيون خلالها على الكثير من التنازلات، وهو ما قوبل بانتقاد واضح من ترامب".
واستبعد السفياني، حصول طهران على فرصة لاستخدام الحوثيين كورقة تفاوضية مع الولايات المتحدة مستقبلاً، في ظل ديناميكيات القوة الإقليمية المتغيرة، وتراجع وكلاء إيران في المنطقة. استئصال محسوم ويرى المحلل السياسي، خالد سلمان، أن الحوثيين خرجوا كليةً من سياق أي تعاط سياسي معهم، بعد تهديدهم الجدي لمصالح واشنطن والغرب ودول الجوار.
وقال في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن جميع المؤشرات تذهب نحو تصفية الحوثيين وإخراجهم عسكرياً من العملية السياسية اليمنية، في ظل التوجه الإقليمي والدولي الذي ينظر إلى مستقبل المنطقة، خالية من الأذرع الإيرانية.
وذكر سلمان، أن المجتمع الدولي بات يرى ميليشيا الحوثيين، التي تمثل آخر الأدوات الإيرانية في المنطقة، كخطر مستدام غير قابل لإعادة الدمج؛ ما يعني أن استئصالها أمر محسوم، ضمن استراتيجية إضعاف طهران. وأشار إلى أن فكفكة أذرع إيران، "ستتلوها المزيد من العقوبات الاقتصادية، ومراكمة تململ الداخل جراء مفاقمة معاناته، وقد تشمل توجيه إسرائيل عملية عسكرية تطال منشآتها النووية وبنيتها التحتية الاقتصادية والعسكرية".
وتابع "وفي ظل وضع كهذا، فإن المجتمع الدولي لا يتفاوض مع من لا يملك أوراق القوة وشمس نفوذه آيلة للغروب، وإن كان هناك من تفاوض محتمل مع إيران، فسيكون بلا أوراق ضغط ووفق شروط غيرها".