بدت السياسة بالشرق الأوسط على مدار عام وكأنها أخطر كازينو في العالم؛ إذ تناوبت حماس وحزب الله وإسرائيل على تدوير عجلة الروليت.
وفي مساء يوم الثلاثاء، قامت إيران بأكبر مقامرة على الإطلاق عندما أطلقت نحو 200 صاروخ باليستي على مدن في جميع أنحاء إسرائيل، وهو هجوم قد يكون بداية لحرب إقليمية من شأنها أن تترك الأمن العالمي في مهب الريح، وفق تحليل لصحيفة ديلي تليغراف البريطانية كتبه الخبير في الشرق الأوسط أدريان بلونفيلد. وخلال الأسبوعين الماضيين، كانت إيران في مأزق. فقد أصبح حزب الله، وكيلها الأبرز، عاجزًا إلى حد كبير - حتى الآن على الأقل - بسبب الحملة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية الناجحة بشكل مذهل في لبنان.
وبالتالي، فإن الهجوم الإسرائيلي ترك طهران أمام خيار صعب؛ فمن خلال عدم القيام بأي شيء، يخاطر النظام بفقدان مكانته في الشرق الأوسط، ويهز صورته بين الشيعة في المنطقة، ويعرض طموحاته للخطر.
لكن الانتقام ينطوي على خطر نشوب حرب شاملة مع خصم متفوق تكنولوجياً في حرب قد تستدرج الولايات المتحدة. مثل هذه الاتجاه، حسب ما يراه براغماتيون في الحكومة الإيرانية، يمكن أن يؤدي في النهاية لتهديد البرنامج النووي للبلاد، وربما حتى الإطاحة بالنظام نفسه.
بينما أعطى رد طهران مساء الثلاثاء، كل الدلائل على أنها تسعى إلى حل معتدل من خلال ضرب إسرائيل بقوة كافية لتهدئة الرأي العام المحلي واللبناني الشيعي، ولكن دون إحداث ضرر كبير لدرجة إثارة ضربة إسرائيلية مضادة واسعة النطاق. ومع ذلك، هناك احتمال كبير أن تكون إيران قد حققت أسوأ ما في الأمرين: عدم القيام بما يكفي لاستعادة ثقة الشيعة في قيادتها، وفي الوقت نفسه إعطاء بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، فرصة لطالما انتظرها، وفق ديلي تليغراف.
في الواقع، قطع الهجوم الصاروخي الإيراني شوطًا ما في تهدئة الرأي الشيعي. فقد أمكن سماع هتافات ”الله أكبر“ من على أسطح المنازل في عدة مناطق في طهران، بينما أطلق الشيعة المبتهجون النار في الهواء في بيروت احتفالاً، لكن بالنسبة لكثيرين كان هذا مجرد بداية.
ومع ذلك، من المرجح "ألا تشعر إسرائيل بالصدمة أو الرهبة"، فقد اعترضت دفاعاتها الغالبية العظمى من الصواريخ الإيرانية التي سقط بعضها في البحر دون أن يلحق الضرر بها، وفق الصحيفة البريطانية.
ولم تسجل حتى الآن سوى حالة وفاة واحدة فقط، وهي لرجل فلسطيني في الضفة الغربية.
لكن قد يقنع النجاح الذي تحقق خلال الأسبوعين الماضيين على جبهات عدة، نتنياهو بالرد بشكل أكثر شراسة مما كانت طهران تتوقعه.
وهناك أسباب للاعتقاد بأن إسرائيل قد تتجاوز الرمزية في ردها على الهجوم الإيراني الأخيرة. فلطالما اعتبرت إيران، حزب الله، بوليصة التأمين الرئيسية ضد أي هجوم إسرائيلي على برنامجها النووي. فإذا ما قامت إسرائيل بالهجوم، سترد إيران من خلال وكيلها الذي ساعدت في تجهيزه بترسانة من 150 ألف صاروخ، بعضها صواريخ موجهة قادرة على ضرب أي مدينة في إسرائيل.
وقد تضاءل هذا الردع بشكل كبير في الأيام الأخيرة، وهذا أحد الأسباب التي قد تجعل إسرائيل تحسب أن الوقت قد حان لتوجيه ضربة قوية لإيران. الرقص على "النووي" والسبب الآخر لتوجيه إسرائيل ضربة قوية لإيران، هو أن الأخيرة قد تشعر أنه نظراً لأنها لم تعد قادرة على الاعتماد على حزب الله كوثيقة تأمين، فليس أمامها خيار سوى السباق نحو القنبلة النووية.
وزادت إيران بشكل مطرد من برنامجها لتخصيب اليورانيوم على مر السنين، وهي الآن على وشك الوصول إلى القدرة على تحقيق الاختراق.
ووفق ديلي تليغراف، قد يحسب المرشد الإيراني علي خامنئي، أن الطريقة الوحيدة لردع إسرائيل هي بناء سلاح نووي.
وإذا حسبت إسرائيل أن هذه هي سياسة إيران الأكثر احتمالاً، فمن غير المرجح أن يمنعها أي ضغط غربي من الرد الذي من شأنه أن يدفع الشرق الأوسط إلى حرب شاملة يخشى الجميع من اندلاعها.