اعتقلت جماعة الحوثيين في اليمن مؤخرا عشرات العاملين في منظمات دولية ومحلية وموظفين سابقين في بعثات دول غربية بزعم التجسس، الأمر الذي انعكس على نشاط منظمات الإغاثة التي يعتمد ملايين اليمنيين على المساعدات التي تقدمها لهم.
والدي يبلغ من العمر 74 عاما، ويحتاج إلى "رعاية طبية مستمرة كونه يعاني من عدة أمراض مع تقدمه في السن"، يقول أحمد نجل اليمني عبدالقادر السقاف، والذي ظهر مؤخراً في فيديو اعترافات من معتقله، بالتزامن مع حملة اعتقالات غير مسبوقة شنتها الأجهزة التابعة ل(الحوثيين)، في صنعاء، وطالت العشرات من عاملي المنظمات الدولية والمحلية، لتبدأ بذلك فصلاً جديداً من العلاقة بين السلطات في مناطق سيطرة الجماعة وبين المنظمات الإغاثية، التي تقول إنها تقدم المعونات للملايين، لكن مستقبل العملية الإغاثية برمتها أصبح على المحك، في ضوء هذا التصعيد.
وعلى الرغم من أن عبدالقادر السقاف، الذي ينحدر من محافظة لحج جنوبي البلاد، واحد من المعتقلين الذين سبق احتجازهم في الحملة الأخيرة منذ أكثر من عامين، إلا أنه ظهر أخيراً في مشهد صدم عدد كبير من معاريفه وعائلته، إلى جانب آخرين ممن اعتقلتهم الجماعة في العام 2021، وأغلبهم موظفون سابقون في السفارة الأمريكية في صنعاء، اعتقلوا دونما أسباب معلنة، لكن الحوثيين أفرجوا أخيراً عن اعترافات لهم تتضمن ادعاءات بالارتباط مع الاستخبارات الأمريكية، وغير ذلك من المضامين التي أفحصت عن السياق المتمثل بحملة الاعتقالات الأخيرة، بما فيها ذكر أسماء أشخاص تعرضوا مؤخراً للاعتقال.
وفي حديثه لـDW عربية، يقول أحمد السقاف، إن والده الذي قدمته الاعترافات كواحدة من أبرز المتهمين، إنه عمل موظفا في السفارة الأمريكية بصنعاء وتقاعد في عام 2014، ومن حينها انقطعت صلته بعمله في السفارة ولم يعد يستلم منها أي راتب.
ويضيف "تم اعتقاله من قبل الحوثيين في تمام الساعة 11 من صباح يوم 21 نوفمبر 2021، من منزله الكائن بمنطقة الأصبحي القديمة صنعاء"، إذ مضى على اعتقاله عامان وسبعة أشهر.
"عشنا في صدمه مش مستوعبين ما جرى طوال فتر تقاعده بقي عمله على تربيه الأحفاد، توصيلهم الى المدرسة في الصباح وأخدهم من المدرسة بعد الظهر". يقول أحمد الذي يشدد على أن والده "لم يعمل باي نشاط واعتزل عالم السياسية"، وقد سبب احتجازه معاناة كبيرة لأبنائه وأحفاده وجميع أفراد أسرته التي "تعيش أوضاعاً نفسية صعبة للغاية".
وإلى ما قبل ظهوره أخيراً، سعت عائلة السقاف للتواصل معه، حيث يقول نجله "طرقنا وناشدنا جميع الجهات المتاحة للمواطن في صنعا ء بهدف معرفة مصيره أو حتى التواصل معه وزيارته لكن دون جدوى". فيما كان رد الجهات الرسمية في صنعاء عليهم "غريباً لا نعلم أين هو ومع أي جهة، لا ندري ما هو الجرم الذي اقترف"، ومع ذلك، فإن الجهات المسؤولة عن اعتقاله، سمحت لأسرته بـ"التواصل معه اكثر 6 مرات مكالمات هاتفيه وزيارتين لرؤيته".
•حملة استهدفت العشرات كان السقاف، أحد عشرة، أشخاص، أفرج الحوثيون مؤخراً عن اعترافات خطيرة لهم، بالتزامن مع إعلانهم عما وصفوه بأنه "إنجاز أمني كبير"، بتفكيك شبكة تجسسية، فيما بدا إشارة إلى حملة الاعتقالات التي بدأت في السابع من يونيو الماضي، وشملت العشرات من موظفي المنظمات الإغاثية المحلية والدولية، دون أن توجه إليهم اتهامات، باستثناء الحملات الإعلامية المرافقة التي أشارت إلى أن المعتقلين يواجهون اتهامات بالارتباط بدول أجنبية.
ودانت هيومن رايتس ووتش "اعتقال الحوثيين عشرات موظفي المجتمع المدني والأمم المتحدة تعسفيا دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، واحتجزوهم بمعزل عن العالم الخارجي، ما يرقى إلى الاختفاء القسري". وقال المنظمة الحقوقية إنها "وثقت حالات 31 شخصا، جميعهم تقريبا موظفي منظمات غير حكومية محلية ودولية ومن الأمم المتحدة، اعتقلتهم قوات الأمن الحوثية بين 31 مايو/أيار و12 يونيو/حزيران". ونقلت المنظمة عن "مصادر تتابع الاعتقالات أن العدد الإجمالي لهذه الاعتقالات يزيد عن 60 شخصا، وربما أعلى من ذلك بكثير".
ووفقاً لإفادة المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ أمام مجلس الأمن الدولي، منتصف الشهر الماضي، فقد شنت جماعة الحوثي ما وصفها بـ"حملة قمع" واعتقلت بشكل تعسفي، خلال أسبوع 13 فردا من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى خمسة موظفين تابعين لمنظمات غير حكومية دولية والعديد من المنظمات غير الحكومية الوطنية والمجتمع المدني، بالإضافة إلى أن "أربعة موظفين تابعين للمفوضية السامية لحقوق الإنسان واليونسكو، لا يزالون رهن الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي"، منذ عامي 2021 و2023.
وتحدث DW عربية، لأكثر من موظف إغاثي في اليمن، والذين أفادوا بأنه أوضاعاً خطرة، في ضوء الاتهامات والحملات التي جرت، واضطر البعض منهم إلى مغادرة صنعاء وقضاء عيد الأضحى السابق في عدن ومدن أخرى، خوفاً من أن يكونوا عرضة للاعتقال، على إثر عملهم في منظمات إغاثية تتبع الأمم المتحدة أو جهات مستقلة.
يقول عامر وهو ثلاثيني يعمل في إحدى المنظمات مترجماً، أب لأربعة أبناء، إنه نجح "بالحصول على وظيفة في إحدى المنظمات بعد سنوات من التعليم داخل وخارج البلاد"، وعلى الرغم أن هذه الوظيفة التي لم تكن على ارتباط بأي مهمة إدارية أو سياسية، إلا أنها تحولت إلى ما يشبه كابوس، مع الحملات التي استهدفت عاملين في منظمات، ليغادر صنعاء قبل عيد الأضحى بأيام بعيداً عن عائلته. وإلى جانب القلق إزاء التصعيد الذي قد لا يصله بالضرورة، فإن مصدر دخله هو الآخر مهدد أذا ما توقف نشاط المنظمة التي يعمل بها. ومثله المئات من اليمنيين.
•تأثير كبير على العمل الإنساني ويقول لـDW عربية، الناشط الحقوقي فارس الحميري، والذي ظل يتابع الحملات الأخيرة إن التقديرات التي "تم التحقق منها من مصادر خاصة ومن الأهالي وزملاء المعتقلين"، تشير إلى أن عدد المعتقلين منذ مطلع يونيو تجاوز الـ70 معتقلاً، جميعهم من موظفي الإغاثة العاملين في وكالات أممية ومنظمات دولية ومحلية، بالإضافة الى عاملين حاليين وسابقين في السفارة الأمريكية واحدى السفارات الأوروبية.
من جانبها دانت هيومن رايتس ووتش "اعتقال الحوثيين عشرات موظفي المجتمع المدني والأمم المتحدة تعسفيا دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، واحتجزوهم بمعزل عن العالم الخارجي، ما يرقى إلى الاختفاء القسري". وقال المنظمة الحقوقية إنها "وثقت حالات 31 شخصا، جميعهم تقريبا موظفي منظمات غير حكومية محلية ودولية ومن الأمم المتحدة، اعتقلتهم قوات الأمن الحوثية بين 31 مايو/أيار و12 يونيو/حزيران". ونقلت المنظمة عن "مصادر تتابع الاعتقالات أن العدد الإجمالي لهذه الاعتقالات يزيد عن 60 شخصا، وربما أعلى من ذلك بكثير".
ويرى الحميري أن "الحملة سيكون لها تأثير كبير على العمل الإنساني"، حيث استهدفت "قيادات العمل الإغاثي الميداني، وعاملين إنسانيين مؤثرين، بالإضافة الى حالة الرعب التي خلفتها الحملة على من لا يزالون يعملون في المجال الإغاثي بصنعاء"، والذين بدأ بعضهم بمغادرة العاصمة وآخرون اضطروا على تقديم استقالتهم، فيما بعضهم لا يزال يبحث عن فرصة للخلاص.
وفي الوقت الذي شهدت شبكات التواصل الاجتماعي، انتقادات من يمنيين للمنظمات الدولية، بعدم التحرك إزاء ما تعرض له عاملوها اليمنيون، يرى الحميري أن "ردة فعل المنظمات الأممية والدولية تجاه هذه الحملة سلبية، حيث كان من المؤمل أن يتم التعليق ولو جزئيا لأعمال هذه المنظمات للضغط على الحوثيين للإفراج عن زملائهم والعاملين الإنسانيين، لا الاكتفاء ببيانات فضفاضة".
وبينما تحفظ مكتب الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن عن تقديم أي تعليق، بعد وعود متكررة، أفادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر رداً على أسئلة طرحها DW عربية، أنها على دراية بالأخبار المتعلقة بتوقيف موظفي بعض المنظمات الإنسانية في شمال اليمن. لكنها أوضحت أنه "بوصفها منظمة إنسانية محايدة ومستقلة، لا تتحدث أو تعلق علنًا".
بدلاً من ذلك، تنخرط اللجنة "في حوار ثنائي وغير علني مع الأطراف المعنية وتشارك معها شواغلها وتوصياتها".
يذكر أن الأمين العام لـ "الأمم المتحدة" أنطونيو غوتيريش والمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، دعيا إلى إطلاق سراح جميع موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، كما فعل مسؤولون أمميون كبار آخرون.
كما دعت الولايات المتحدة، جماعة الحوثيين إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين لديها من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وموظفي البعثات الدبلوماسية.
•تحفظ أممي وتأكيد على أهمية العمل الإنساني وبشأن ما إذا كانت اللجنة التي لعبت دور الوسيط في صفقات تبادل الأسرى والمعتقلين، تتواصل مع هؤلاء الذين اعتقلوا مؤخراً، تقول اللجنة إنها تقوم "بزيارة المحتجزين في الدول المتأثرة بالنزاعات كجزء من جهودها لتعزيز المعاملة الإنسانية واحترام حقوق الأشخاص المحرومين من حريتهم". ومع ذلك، "لا يتم الكشف عن تفاصيل محددة بشأن هذه الزيارات لأسباب تتعلق بالسرية".
وتشير إلى أن إمكانية وصول اللجنة الدولية للصليب الأحمر للمحتجزين عمومًا تعتمد على التعاون والسماح بالوصول المتاح من سلطات الاحتجاز.
وحول تأثير الحملة على العمل الإنساني تقول اللجنة إن المساعدات الإنسانية ضرورية في اليمن، حيث "توجد أكبر الاحتياجات في العالم".
وتشدد على أنه "يجب حماية البعثات والأنشطة الإنسانية لكي تتمكن من الاستمرار في خدمة الفئات الأكثر ضعفًا". وتوضح أن بعثة اليمن تعد ثالث أكبر بعثة للجنة الدولية للصليب الأحمر على مستوى العالم من حيث حجم العمليات الإنسانية، الأمر الذي يعكس حاجة اليمن الملحة للاحتياجات الإنسانية على مستوى العالم. وتشدد على أن نقص تقليص تمويل المساعدات الإنسانية أجبر المنظمات الإنسانية على تقليص أنشطتها، مما يعني أن أقل عدد من الأشخاص سيتلقون المساعدة التي يحتاجونها.
وتختم "يحدث ذلك في حين لا تزال الاحتياجات في اليمن هائلة مع اعتماد 80% من سكانها على المساعدات الإنسانية