بداية كل شهر يذهب المواطن اليمني عبد الرحمن جسار، إلى الصيدلية القريبة من منزله لشراء الأدوية الخاصة بالضغط والسكري التي يستخدمها منذ أربعة أعوام، لكنه فوجئ بارتفاع أسعارها، ما جعله يعود إلى منزله خاوي اليدين منكسرا بعد عجزه عن توفير ثمنها.
يقول عبد الرحمن لـ"العربي الجديد": "أعاني من الضغط والسكري منذ أربع سنوات، وأستخدم علاجات سايبريل وديجارد، وألاحظ بين الحين والآخر ارتفاعاً في أسعارها، غير أني وصلت مؤخرا إلى العجز التام عن شرائها".
جليلة محمد، 56 عاما، تعاني من مرض في القلب، تقول لـ"العربي الجديد": "لدي أدوية أستخدمها بشكل دائم، وأجد معاناة في شرائها، وأخبرنا أحد الجيران أن مكتب الصحة يقدم هذه الأدوية بالمجان، فذهبت وسجلت في المكتب، وأعطوني كرتا خاصا بصرفها، وحين أذهب لاستلامها أجدها أحيانا ويتم صرفها، وفي أحيان أخرى يقولون لنا إنها غير موجودة، وأضطر لشرائها من الصيدلية، وفي بعض الحالات أعجز عن شرائها وأتوقف مضطرة عن استخدامها رغم تدهور حالتي الصحية".
فوضى سوق الأدوية يعاني سوق الأدوية في اليمن من حالة عبث وارتفاع متزايد في أسعار الأدوية، في ظل غياب دور الجهات الرقابية، والعشوائية التي تحيط بسوق الأدوية، بالإضافة إلى عوامل أخرى جاءت نتاجا للحرب التي تعيشها البلاد منذ تسع سنوات.
الصيدلي هيثم فيصل الذي يعمل في إحدى صيدليات تعز، قال لـ"العربي الجديد" إن "هناك ارتفاعا شبه شهري بأسعار الأدوية، وتصل نسبة الارتفاع إلى حوالي 10% نتيجة لعدة عوامل أهمها زيادة سعر الصرف بشكل دائم، وكذا نسبة الجبايات المالية المرتفعة المفروضة على شركات الأدوية". يضيف فيصل: "مثلا دواء ديجارد كان سعره الشهر الماضي 12 ألفا و500 ريال (الدولار يساوي 1840 ريالا)، وحاليا سعره 14 ألفا و300 ريال، وأيضا دواء الكبراديل شراب كان سعره 8 آلاف و200 ريال، وحاليا سعره 11 ألف و800 ريال".
يؤكد بائعو الأدوية أن معظم الأدوية التي يتم استيرادها ذات فعالية أقل لأن سعرها في المتناول عكس الأدوية الأوروبية التي تمتاز بفعالية أكبر لكن سعرها مرتفع جدا مقارنة بالدخل المتوسط لمعظم اليمنيين.
وحسب بائعي الأدوية لـ"العربي الجديد"، فجميع الأدوية الموجودة في السوق عربية وهندية المصدر أسعارها منافسة ورخيصة مقارنة بالأدوية الأوروبية غالية الثمن، وغير الموجودة في السوق بسبب التحويلات البنكية، وعدم الثقة في القطاع المصرفي.
كما يأتي الارتفاع الكبير لأسعار الأدوية في ظل غياب الرقابة من الجهات المعنية، ما ساهم في انتشار الأدوية المهربة والمغشوشة في السوق، أو قريبة الانتهاء، وخاصة تلك التي تمنحها المنظمات الإغاثية.
- حرب الحوثيين على الشركات كما أن من أسباب ارتفاع أسعار الأدوية في اليمن الحرب التي تشنها جماعة الحوثي على شركات ومصانع الأدوية، وفرض إتاوات مالية وضرائب باهظة عليها، والسيطرة على بعضها كما حصل مع شركتي الدوائية والعالمية للأدوية.
ففي التاسع يونيو/حزيران الماضي، أقدمت جماعة مسلحة تابعة لما يسمى الحارس القضائي التابع للحوثيين، القيادي في الجماعة صالح دبيش، باقتحام "الشركة الدوائية الحديثة" و"الشركة العالمية لصناعة الأدوية"، كبريات شركات صناعة الأدوية في اليمن، واعتقال عدد من مدراء الشركة، واقتحام فرعي الشركة في كل من ذمار وعمران وتهديد مدير فرع إب، وهي محافظات خاضعة لسيطرة الحوثيين.
وقامت الجماعة بالاستيلاء على أرباح المساهمين في الشركتين الذين وردت أسماؤهم في قائمة أعدوها طيلة السنوات السبع الماضية، وصلت خلال عام 2022 فقط، إلى 240 ألف دولار، بنسبة 13% من إجمالي أرباح الشركة، إلا أن هذا لم يكن كافيا لهم، وقرروا مؤخرا الاستيلاء الكامل على الشركتين بمبرر إضافة أسماء جديدة لقائمتهم المزعومة.
نقيب الأطباء والصيادلة في تعز، إسماعيل الخلي، قال لـ"العربي الجديد" إن "الحرب التي شنها الحوثيون على المدن اليمنية أدت إلى إغلاق الطرق الداخلية، وصعوبة وصول الأدوية من المنافذ مما أدى إلى ارتفاع جنوني بتكاليف النقل، بالإضافة إلى الضرائب المرهقة التي فرضها الحوثي على الأدوية وتحصيل ضرائب وجمارك في مناطقه رغم دفع ضرائب في مناطق الشرعية خاصة وأن الغالبية العظمى من الموردين هم بمناطق سيطرة الحوثي".
وأشار الخلي إلى انعدام الرقابة على التسعيرة الدوائية "مما حدا بالموردين إلى وضع تسعيرات مزاجية وخيالية، ومعتمدين على شراء ذمم بعض ضعفاء النفوس من الأطباء لتصريفها رغم ارتفاع أسعارها، وكذا ارتفاع سعر الصرف أمام العملات الأجنبية مع ضعف دخل المواطن، وانعدام صرف الراتب، ضاعف من معاناة المريض". وأوضح الخلي أن هناك "شبه انعدام لأدوية الشركات العالمية بسبب محاربة التجار من قبل حكومة صنعاء وعدم قدرة المواطن اليمني على شراء هذه الأصناف بسبب انهيار سعر الصرف، وضعف القدرة الشرائية للمواطن، والانعدام الأساسي هو بأدوية التخدير، وأدوية الأمراض المزمنة، والسرطانات، وذلك لهيمنة القيادات الحوثية عليها وتهريبها من قبلهم، وبأسعار مرتفعة جدا".
تداعيات الانقسامات يواجه القطاع الدوائي في اليمن أزمة ناتجة من الانقسام بين صنعاء وعدن، ما يضعف دور الهيئة العليا للأدوية التي تعاني من هذا الانقسام، وفي هذا الصدد يقول عضو المكتب التنفيذي لنقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين محمد مهيوب حسن، لـ"العربي الجديد" إن الهيئة العليا للأدوية دورها ضعيف لأنها منقسمة بين هيئتي عدن وصنعاء، وتسجيل الأصناف الدوائية يتم بحسب الشركات المسجلة في صنعاء وعدن، وكثير من وكلاء الأدوية إذا لم يتم تسجيل أصنافه في صنعاء يذهب إلى عدن وبالعكس".
مدير دائرة البحوث والإعلام الدوائي في الهيئة العليا للأدوية المركز الرئيس عدن، أحمد القباطي، قال لـ"العربي الجديد" إن "الهيئة العليا للأدوية تولي الصناعة المحلية الأهمية القصوى وسعت بالتنسيق مع اتحاد مصنعي الأدوية إلى إيجاد تفاهمات مع الجهات المعنية مثل الجمارك والاستثمار لتمييز مدخلات الصناعة المحلية، ومنحها بعض الامتيازات كون الوضع الحالي معكوسا، فبدلا من التسهيل ومنح الأفضلية للصناعة المحلية نجد أن الرسوم والضرائب المفروضة على المواد الخام أعلى من الضرائب على المنتجات الدوائية الجاهزة التي تأتي من الخارج".
وكشف القباطي أن "عدد الأصناف التي يتم تصنيعها محليا أو الأشكال الصيدلانية هو 2075 منتجا، ومع ذلك فإنتاج الصناعة المحلية لا يغطي أكثر من 20% من حاجة السوق". وتوجد في اليمن أكثر من 600 شركة خاصة باستيراد الأدوية، بالإضافة إلى آلاف الوكلاء، كما يوجد في اليمن 14 مصنعا معظمها في مناطق سيطرة الحوثيين