الرئيسية > اخبار محلية > ردع هجمات الحوثيين يتطلب إستراتيجية مزدوجة

ردع هجمات الحوثيين يتطلب إستراتيجية مزدوجة

– بدأت الأزمة في البحر الأحمر تتكشف منذ أواخر عام 2023 عندما بدأت حركة التمرد الحوثية في اليمن حملة لا هوادة فيها من الهجمات الصاروخية والطائرات دون طيار التي تستهدف السفن التجارية التي تعبر هذا المضيق البحري الحيوي.

 

وما بدأ كضربات متفرقة سرعان ما تصاعد إلى وابل مستمر، مما يعرض أحد أكثر ممرات الشحن ازدحامًا في العالم وشريانًا رئيسيًا للتجارة العالمية للخطر.

 

وزعم الحوثيون في البداية أن هجماتهم كانت أعمال تضامن مع الفلسطينيين الذين يواجهون القصف الإسرائيلي في غزة، ورسموا صلة واضحة بين أفعالهم في البحر الأحمر والصراع الإسرائيلي الفلسطيني الأوسع.

 

ويرى الباحث كوثر الدين محمود في تقرير نشره موقع مودرن بوليسي إنه مع استمرار الضربات وتصاعد الاضطرابات الاقتصادية، أصبح من الواضح أن دوافع الحوثيين امتدت إلى ما هو أبعد من مجرد التعبير عن الدعم للقضية الفلسطينية.

 

وكان استيلاء قوات الحوثيين على سفينة الشحن “غالاكسي ليدر” التابعة لإسرائيل في 19 نوفمبر 2023 بمثابة تصعيد كبير، مما دفع الولايات المتحدة إلى إنشاء تحالف أمني بحري متعدد الجنسيات أطلق عليه اسم “عملية حارس الازدهار” في منتصف ديسمبر.

 

ويهدف التحالف الذي يضم أكثر من 20 دولة إلى ردع وإضعاف قدرة الحوثيين على شن هجمات على السفن التجارية. ومع ذلك، ظل المتمردون الحوثيون دون رادع، وواصلوا وابلهم من الهجمات الصاروخية والطائرات دون طيار على الرغم من الوجود الدولي.

 

وبحلول العام 2024، علقت شركات شحن كبرى عمليات النقل عبر البحر الأحمر بالكامل بسبب المخاطر والتكاليف المتزايدة.

 

وفي محاولة لإجبار الحوثيين على وقف هجماتهم، شنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة غارات جوية في منتصف يناير 2024، استهدفت مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات دون طيار التابعة للحوثيين، والرادارات، والبنية التحتية المرتبطة بها داخل اليمن.

 

وتم وصف حملة القصف هذه، التي أُطلق عليها اسم “عملية بوسيدون آرتشر”، في البداية على أنها “لمرة واحدة” ولكنها سرعان ما تصاعدت إلى قصف شبه يومي، حيث تم قصف أكثر من 230 موقعًا بحلول أواخر فبراير.

 

ودعا البعض إلى مواصلة الجهود الدبلوماسية والتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، بينما دعا آخرون إلى تصعيد عسكري كبير – ربما يشمل عمليات برية ضد الحوثيين أو حتى توجيه ضربات مباشرة إلى داعميهم الإيرانيين.

 

ومع عدم وجود حل واضح في الأفق، سلطت الأزمة في البحر الأحمر الضوء على هشاشة طرق التجارة البحرية العالمية والتحديات التي تفرضها الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تستخدم أسلحة متطورة بشكل متزايد. كما سلطت الضوء بشكل واضح على الشبكة المعقدة من المنافسات الإقليمية، والصراعات بالوكالة، والمنافسة بين القوى العظمى.

 

دوافع الحوثي وأهدافه في البداية، قدم الحوثيون هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر على أنها عمل تضامني مع الفلسطينيين الذين يواجهون القصف الإسرائيلي على غزة. ومع ذلك، تبدو دوافعهم وأهدافهم أكثر تعقيدًا ومتعددة الأوجه.

 

وأحد الدوافع الرئيسية وراء هجمات الحوثيين هو رغبتهم في تأكيد سيطرتهم على نقاط التفتيش البحرية الحيوية وكسب النفوذ في الصراع المستمر.

 

ومن خلال تعطيل الشحن في البحر الأحمر، وهو ممر مائي حيوي للتجارة العالمية، يهدف الحوثيون عبره إلى الضغط على المجتمع الدولي والقوى الإقليمية للتدخل في الصراع اليمني بشروط مواتية لأجنداتهم. كما أن الهجمات بمثابة إجراء انتقامي ضد التدخل العسكري الذي دعم الحكومة ضدهم.

 

وعلاوة على ذلك، صورت حركة الحوثي نفسها كقوة مقاومة ضد التدخلات الأجنبية وكمدافع عن الحقوق الفلسطينية.

 

ومن خلال الانحياز إلى القضية الفلسطينية، يأمل الحوثيون في الحصول على الدعم من الجماعات والأفراد المتعاطفين في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي، مما قد يعزز شرعيتهم ونفوذهم الإقليمي.

 

وتلقى الحوثيين دعمًا عسكريًا وماليًا كبيرًا من إيران، راعيهم الأساسي. وفي حين أن مدى سيطرة طهران المباشرة على عمليات الحوثيين لا يزال غير واضح، فإن الهجمات في البحر الأحمر تتماشى مع الأهداف الإستراتيجية الأوسع لإيران المتمثلة في إظهار القوة وتحدي مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

 

واتسمت هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر بمجموعة من التكتيكات والأسلحة، تتراوح من البدائية إلى المتطورة.

 

وفي البداية، لجأ الحوثيون إلى الصعود على متن السفن التجارية والاستيلاء عليها، كما يتضح من الاستيلاء على سفينة الشحن غالاكسي ليدر في نوفمبر 2023.

 

ومع ذلك، استخدم الحوثيون بشكل متزايد أسلحة أكثر تقدمًا، بما في ذلك الصواريخ الباليستية المضادة للسفن، والطائرات المسلحة دون طيار، والسفن المحمولة بالمياه غير المأهولة. ويعد صاروخ “عاصف” الذي يبلغ مداه 400 كيلومتر ورأس حربي يزن 500 كغم، وصاروخ “المندب 2” الذي يبلغ مداه 120 كيلومترا ويزن رأسا حربيا 165 كغم، من أقوى الأسلحة في ترسانة الحوثيين.

 

وعلى الرغم من امتلاك الحوثيين لقدرات متقدمة، إلا أن البنية التحتية والدقة في الاستهداف لديهم كانت محدودة نسبيًا.

 

و اعتمدوا بشكل كبير على المعلومات الاستخبارية من سفن المراقبة الإيرانية، والرادارات الساحلية (التي دمرت الضربات الأميركية بعضها)، والبيانات مفتوحة المصدر لتثليث مواقع السفن المستهدفة.

 

وفي حين نجح الحوثيون في ضرب بعض السفن التجارية وإتلافها، فقد تم اعتراض العديد من هجماتهم الصاروخية والطائرات دون طيار أو أخطأت أهدافها بفارق كبير، مما يشير إلى تحديات في استخدام أسلحتهم بشكل فعال ضد السفن المتحركة.

 

وكانت لهجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر آثار بعيدة المدى على الأمن الإقليمي والتجارة العالمية.

 

ويعد البحر الأحمر ممرًا مائيًا مهمًا للتجارة البحرية الدولية، حيث يمثل حوالي 15 في المئة من حركة الشحن العالمية.

 

وقد أجبرت الاضطرابات في هذا الطريق الحيوي العديد من شركات الشحن على إعادة توجيه سفنها، مما أدى إلى تأخيرات كبيرة وزيادة التكاليف وتعطل سلسلة التوريد.

 

وعلاوة على ذلك، أدت الهجمات إلى تفاقم التوترات في منطقة الشرق الأوسط الأوسع، مما أثار المخاوف بشأن احتمال التصعيد والصراع الأوسع.

 

رد المجتمع الدولي على هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر بمجموعة من التدابير، بما في ذلك إنشاء عمليات أمنية بحرية، وجهود دبلوماسية، وتوجيه ضربات عسكرية محدودة.

 

و في ديسمبر 2023، قادت الولايات المتحدة تشكيل عملية “حارس الازدهار”، وهو تحالف أمني بحري يضم أكثر من 20 دولة، يهدف إلى ردع هجمات الحوثيين وإضعافها. ومع ذلك، فشلت هذه العملية حتى الآن في وقف الهجمات بشكل فعال، مما أثار دعوات لإعادة تقييم الإستراتيجية.

 

كما نفذت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة غارات جوية ضد مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار التابعة للحوثيين، بالإضافة إلى الأهداف المرتبطة بها، في محاولة لإضعاف القدرات الهجومية للحوثيين.

 

واعتبارًا من أوائل فبراير 2024، أفادت التقارير أن هذه الضربات دمرت أكثر من 100 صاروخ وقذيفة، لكن هجمات الحوثيين استمرت .

 

ومع استمرار الأزمة، تزايدت الدعوات داخل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لتصعيد كبير للعمل العسكري ضد الحوثيين.

 

ومع ذلك، فإن أزمة البحر الأحمر تؤكد الحاجة الملحة إلى نهج شامل ومتعدد الأطراف يعالج الأسباب الجذرية للصراع مع حماية المصالح الحيوية البحرية العالمية.

 

وفي الوقت نفسه، يجب على المجتمع الدولي أن يعمل على تعزيز بروتوكولات الأمن البحري، وتعزيز تبادل المعلومات الاستخبارية، وتطوير آليات ردع قوية لثني أعمال التعطيل البحري في المستقبل.