قد يكون تمركز المهاجرين في نفس الأحياء مفيدا في البداية، لكنه يصبح على المدى الطويل، عائقا أمام الاندماج لهم ولأطفالهم".
هذا ما خلصت إليه دراسة سنوية، نشرت مؤخرا، أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بعنوان "آفاق الهجرة الدولية 2021".
00:00 / 00:00
قبل 6 أشهر من الانتخابات الرئاسية في فرنسا، أصبحت مشكلة اندماج المهاجرين موضوع نقاش المرشحين بامتياز.
ففي بداية الحملة الانتخابية، اعتبرت فاليري بيكريس، المرشحة عن حزب الجمهوريين للانتخابات الرئاسية، أن "الهجرة أصبحت خارجة عن السيطرة وفرنسا تعاني فشل اندماج"، بينما تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه عن "مجتمع في أزمة اندماج".
وبحسب الدراسة، فإن ظاهرة تمركز المهاجرين في أفقر الأحياء وفي ضواحي المدن "عالمية" تتعدى البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ويقول أستاذ الاقتصاد بجامعة إيفري فال ديسون، غريغوري فيردوغو، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية": "ما يميز مهاجري فرنسا أن غالبيتهم من خارج الاتحاد الأوروبي. وبحسب الإحصائيات، يعاني هؤلاء المهاجرون من التمييز في السكن، إذ أن معظمهم يقطن في السكن الاجتماعي الواقع في المناطق شبه الحضرية".
وبلغة الأرقام، تبين الدراسة أن 11.1 بالمئة من الأفارقة الوافدين من بلدان جنوب الصحراء يعيشون في مقاطعة سين سان دوني وحدها في ضواحي باريس، حيث يقيم أيضا 7.5 بالمئة من مهاجري شمال إفريقيا منذ عام 2017.
ويرجع الخبير الاقتصادي أسباب هذا الفصل والتمركز في الضواحي، إلى أن "فئة كبيرة من المهاجرين ينتمون إلى الطبقة الفقيرة، كما أن إيجار السكن الخاص مرتفع نسبيا، ويفرض ضمانات متعددة ويتطلب مستو ى اجتماعيا- اقتصاديا معينا، بالإضافة إلى التمييز العرقي. وهذا ما يفسر ارتفاع الطلب على السكن الاجتماعي من طرف المهاجرين غير الأوروبيين، إذ يمكن الجزم بأن نصفهم يعيش في هذا النوع من السكن".
ويعتبر فيردوغو أن تأثير السكن الاجتماعي يختلف بحسب نوعه. إذ "يوجد نوع يطلق عليه "الحي الحساس"، وهو نوع يتزايد بشكل ملفت في السنوات الأخيرة، حيث تكون نسبة كثافة السكان المهاجرين مرتفعة، والفقر متفش بشكل كبير، وغالبا ما يوجد في الضواحي".
ويضيف: "هناك نوع آخر أقل عزلة، يوجد في وسط المدينة، كثافته السكانية متوسطة، يقطن فيه المهاجرون والفرنسيون ذو الدخل المتوسط. في هذه الحالة، يكون الاندماج سهلا والحديث عن فصل أمرا مستبعدا".
وفي السياق ذاته، يكتب مؤلفو الدراسة "أن المساكن في هذه المناطق السكنية المنفصلة، تكون في غالب الأحيان في حالة سيئة، وتتميز البيئة المحلية في كثير من الأحيان بمستويات عالية من العنف والتلوث والضوضاء".
في المقابل، وبالعودة إلى تاريخ تأسيس السكن الاجتماعي في أوروبا عموما وفرنسا تحديدا، يقول عالم الاجتماع والأستاذ الباحث بالجامعة الدولية بالرباط، مهدي عليوة، لموقع "سكاي نيوز عربية": "إن الدولة الفرنسية استثمرت أموالا ضخمة في سنوات السبعينيات لبناء سكن يأوي الفقراء واليد العاملة، ووفرت أحسن المهندسين المعماريين وأطلقت على هذه الأحياء أسماء إيجابية. لكن سرعان ما تم انتقادها من طرف الإعلام وتناولتها الأفلام السينمائية بشكل سلبي رغم أن سكانها في تلك الحقبة كانوا سعداء بهذا التغيير الجذري الذي حققته في حياة الفرنسيين القادمين من القرى قبل المهاجرين، إذ لأول مرة أصبح لديهم سكن حديث، يوفر مياه جارية ساخنة وحوض استحمام".
ويتابع: "وعوض انتقاد هذا السكن باعتباره بعيدا عن المركز أو يعرف كثافة سكانية معينة، كان يجب التركيز على مشكل قلة فرص الشغل لهذه الفئة والتمييز العنصري الذي عانت منه خصوصا أن أغلب المهاجرين كانوا ينحدرون من مستعمرات فرنسا".