يبدأ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ولايته الرئاسية الجديدة من ست سنوات، بعد أدائه اليمين الدستورية في العاصمة الإدارية الجديدة، في وقت نجت بلاده للتو من أزمة اقتصادية خانقة لا تزال تداعياتها مستمرة، بعد تدفقات دولارية شهدتها مصر في صورة منح وقروض واستثمارات خلال الأسابيع الأخيرة، فيما لا يزال مسار الإصلاح السياسي الذي تطالب به كثير من القوى الليبرالية والمدنية غير مكتمل بعد، وهو ما يرجع تأخره من قبل أنصار السلطة إلى التحديات الأمنية والجيوسياسية "غير المسبوقة" على حدود البلاد الخارجية.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2023 فاز السيسي (69 سنة) في الانتخابات الرئاسية بحصوله على 89.6 في المئة من إجمالي الأصوات الصحيحة، حاصداً 39.7 مليون صوت انتخابي، بعد أن خاض المنافسة مع ثلاثة مرشحين غير معروفين على نطاق واسع من المصريين هم حازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري، وفريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وعبدالسند يمامة رئيس حزب الوفد.
وأدى السيسي الذي يتولى الرئاسة في مصر منذ عام 2014 اليمين الدستورية، وسط حفل غير مسبوق شهدته "عاصمة" الحكم الجديد للبلاد في العاصمة الإدارية (شرق القاهرة)، وذلك بعد أن انتقلت إليها غالب مؤسسات الدولة لا سيما على الصعيدين التشريعي والتنفيذي خلال الأشهر الأخيرة، ليبدأ بذلك عهداً جديداً لولاياته الثالثة، التي من المقرر أن تكون الأخيرة على الأرجح ما لم يجر إدخال تعديلات على مواد الدستور المصري المتعلقة بالحكم في السنوات المقبلة للسماح له بالترشح لولاية رابعة للمنصب الرئاسي، كما حدث في عام 2019، التي على أثرها تم تمديد ولايته لعامين إضافيين ومنحه حق الترشح لولاية ثالثة.
تحديات الولاية الجديدة
تأتي ولاية الرئيس السيسي الجديدة التي من المرجح أن تشهد خلال ساعاتها الأولى تعديلات حكومية فضلاً عن تغيرات واسعة على مستوى حكام المحافظات المصرية المختلفة، وفق ما يقول مراقبون ومصادر مطلعة، في وقت تواجه فيه البلاد تحديات مختلفة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، فضلاً عن التحديات الأمنية والجيوسياسية التي تشهدها مصر، حيث صراعات وحروب وأزمات تخيم على دول جوارها على جبهاتها الثلاث (ليبيا والسودان وقطاع غزة)، وأزمة مياه إثيوبيا لم تبلغ محطة الحل بعد.
وبحسب ما يقول مراقبون، ممن تحدثوا لـ"اندبندنت عربية"، يكمن التحدي الأبرز في الفترة المقبلة في الجانب الاقتصادي، بعد أن شهدت البلاد أزمة خانقة قادت إلى فقدان العملة المحلية لأكثر من نصف قيمتها، بعد ثلاثة تخفيضات متتالية لها العام الماضي، فضلاً عن ارتفاع نسب التضخم إلى مستويات قياسية عند 36 في المئة، مدفوعاً بنقص الاحتياط الأجنبي من العملة الصعبة في بلد يستورد معظم حاجاته الغذائية، وبموازاة زيادة الديون الخارجية لأكثر من ثلاثة أضعاف في العقد الأخير لتبلغ 164.7 مليار دولار، مما يستدعي حلولاً جذرية مختلفة عن تلك المتبعة على مدى سنوات الحكم العشر الماضية.
ويقول مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو الشوبكي "لا تزال التحديات الملحة في الفترة المقبلة، اقتصادية وسياسية في المقام الأول، وذلك على رغم حلحلة الشق الاقتصادي في الأسابيع الأخيرة، وتجاوز بعض من حدتها، بفعل عدد من المشاريع الاستثمارية، وعلى رأسها صفقة رأس الحكمة".
وفي فبراير (شباط) الماضي، أعلنت كل من القاهرة وأبوظبي التوصل إلى اتفاق، تضخ بموجبه دولة الإمارات 35 مليار دولار استثمارات مباشرة في غضون شهرين في مصر، وبموجبه يتم "تنمية 170.8 مليون متر مربع في منطقة رأس الحكمة" على البحر المتوسط بشمال غربي مصر. وبعدها بأسابيع أعلن البنك المركزي المصري تحرير سعر صرف الجنيه، لتفقد العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها مجدداً أمام الدولار الأميركي، وهي الخطوة التي أتاحت للحكومة المصرية التوصل إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي لزيادة حجم القرض الأخير من 3 إلى 8 مليارات دولار، في محاولة لجمع حصيلة من النقد الأجنبي.
وأوضح الشبكي "تكمن المخاوف في الحلحلة الاقتصادية التي شهدتها البلاد في الفترة الأخيرة، في أن الدفعة الدولارية التي تم ضخها في شرايين الاقتصاد لم تأت بالأساس نتيجة زيادة معدلات الإنتاج أو ارتفاع معدلات التصدير والتصنيع، وإنما نتيجة استثمار مباشر في القطاع السياحي، الذي وإن كان أمراً مرحباً به، إلا أنه يعني تحسناً جزئياً لم يتم نتيجة تغيير السياسات الاقتصادية أو مراجعتها بما يسمح بمعالجة المشكلات الهيكلية التي نعانيها بصورة جذرية".
ويتابع الشوبكي "على المستوى السياسي شهدنا خلال الأشهر الأخيرة مؤشرات إيجابية متعلقة بفتح موضوعات للنقاش العام، كان هناك حساسية مفرطة في الحديث في شأنها، منها تلك المتعلقة بالحقوق والحريات وقانون الحبس الاحتياطي والقوانين المنظمة للانتخابات وغيرها التي تم مناقشتها في الحوار الوطني، لكن الأمر غير الجيد أن كل هذه النقاشات لم تترجم على أرض الواقع"، ويمضي بالقول "من هنا تكمن التخوفات في أن نستمر في نفس الدائرة، من دون تحقيق تقدم مهم وحيوي على المستوى السياسي وعدم مراجعة أخطاء الولايتين السابقتين في ما يتعلق بإدارة المجال العام، إذ إن الملفات الأساسية في هذا الشأن لا تزال عالقة، لكن مع فارق وحيد، وهو أنه تم فتح النقاش حولها، من دون الوصول إلى مرحلة التطبيق على أرض الواقع".
من جانبه، يرى رئيس حزب الإصلاح والتنمية (معارض)، محمد أنور السادات، في الولاية الجديدة للرئيس السيسي أنها "أكثر الفترات حساسية ودقة لأسباب عديدة، إذ هناك تحديات كبرى داخلية وخارجية وإقليمية معقدة للغاية وتغيير واضح في المزاج العام، وأولويات ومتطلبات كثيرة يجب البدء بها وبأقصى سرعة".