يُعد قطع شريان تدفق الأسلحة للحوثيين أحد أكثر التحديات التي تواجه القوات الدولية البحرية، في ظل الهجمات المتواصلة للجماعة.
ويرى مراقبون ومحللون أن الضربات الجوية التي تشنها مقاتلات وبوارج حربية أمريكية وبريطانية على مواقع الحوثيين، لا تكفي بدون خنق شراين التهريب التي يعتمد عليها الانقلابيون.
ودأب الحوثيون طوال السنوات الماضية على تهريب الأسلحة لتحديث ترسانتهم وهو ما مكّنهم من تهديد طرق الملاحة واستهداف سفن الشحن المدنية في الممرات الدولية.
هجمات دفعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للتدخل لاحتواء هذا الخطر الذي امتد إلى الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن.
واعتمدت الاستراتيجية الأمريكية حتى اللحظة خيارات عدة، أبرزها فرض عقوبات ضد شبكات تمويل الحوثيين والحرس الثوري الإيراني، وتنفيذ ضربات جوية ضد منصات الصواريخ ومخازن الأسلحة، فضلا عن ملاحقة شحنات الأسلحة التي تتدفق إلى الانقلابيين.
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" قد نقلت عن مسؤولين أمريكيين، في وقت سابق من الشهر الجاري، أن إدارة الرئيس جو بايدن "تعمل على توسيع جهودها لمراقبة واعتراض الأسلحة الإيرانية" التي يتم تهريبها إلى اليمن.
ووفق الصحيفة، تسعى هذه المبادرة إلى رسم خريطة للطرق البحرية التي تستخدمها طهران ووقف شحنات الأسلحة.
شبكات تهريب معقدة
على مدى السنوات الماضية تدفقت الأسلحة بانتظام للحوثيين في عمق الشمال اليمني، عبر شبكة تهريب معقدة تبدأ من موانئ إيرانية وتنتهي بموانئ الحوثي أو برا إلى صعدة وصنعاء، حيث مثلت الصواريخ متوسطة المدى والطائرات المسيرة والصواريخ المضادة للدبابات، أهم تلك الأسلحة المهربة، وفق مصادر أمنية مطلعة.
وبحسب المحلل السياسي والخبير اليمني أدونيس الدخيني، فإن "تهريب الأسلحة الإيرانية للحوثيين استمر حتى في ظل الجهود الأممية الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية"، مدللا بأهم الأسلحة التي ضبطت والتي كانت عبارة عن قطع صواريخ باليستية على يد البحرية الأمريكية، والتي كانت على شحنتين منذ بداية العام الجاري.
وقال الدخيني لـ"العين الإخبارية" إن "شحنات التهريب تبدأ من ميناء بندر عباس الإيراني عبر مراكب شراعية مرورا بشبكة تهريب معقدة تصل في نهاية المطاف إلى المليشيات".
وأكد "يجرى تغيير هذه المراكب باستمرار أثناء الإبحار، بحيث ينقل المركب الأول هذه الأسلحة إلى مسافة محددة وبعدها تنقل عبر مركب ثانٍ.. في كثير من الأحيان تذهب هذه الشحنات إلى سواحل أفريقية قبل أن تبدأ المهمة التالية وهو نقلها إلى سواحل مدينة الحديدة غربا".
وأوضح أن مراكب أخرى تقوم بنقل هذه الأسلحة من السواحل الأفريقية إلى الحديدة، وهي محملة أيضا ببضائع أخرى للتمويه، كما كشفت اعترافات خلايا عملت في تهريب الأسلحة تمكنت شعبة الاستخبارات في المقاومة الوطنية من ضبطها".
ويستخدم الحوثيون الصيادين اليمنيين في التهريب مقابل مبالغ زهيدة يحصلون عليها، وقد شارك البعض منهم في التهريب من ميناء بندر عباس الإيراني بينما شارك آخرون في تهريب الشحنات من بحر العرب، وفق شهادات سابقة لخلايا حوثية نشطت في تهريب الأسلحة، وتم ضبطها من قبل قوات الأمن اليمنية.
وتحدثت تلك الخلايا عن شبكات تهريب برية تنطلق من محافظة المهرة إلى محافظة حضرموت وصولاً إلى مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي، أبرزها محافظة الجوف.
ومطلع العام الجاري، أعلنت الحكومة اليمنية ضبط أسلحة ومعدات عسكرية في منفذ شحن وهي في طريقها إلى ميليشيات الحوثي وكانت عباره عن أجهزة اتصالات متقدمة.
الحاجة الى استراتيجية اوسع وتقول مصادر مطلعة إنه في كثير من الأحيان يتلقى الحوثيون شحنات التهريب عبر موانئ الحديدة وتكون عبارة عن قطع مجزأة قبل أن يجرى تركيبها على يد "خبراء في الحراس الثوري الإيراني" في ورش بالعاصمة اليمنية صنعاء..
وفي هذا الصدد، يؤكد الدخيني أن "موانئ الحديدة هي المرفأ الرئيسي الذي تصل إليه شحنات التهريب".
ويرى الخبير اليمني أن واشنطن تدفع اليوم ثمن الضغوط التي مارستها لإيقاف المعركة على أبواب الحديدة قبل 6 أعوام، مشيرا إلى أن وقف المعركة "أتاح تدفق الأسلحة الإيرانية واتخاذ المدينة قاعدة لتنفيذ العمليات الإرهابية ضد الملاحة الدولية".
ولهذا اعتبر ملاحقة شحنات التهريب واستمرار الضربات الجوية وفرض العقوبات "لا يمكن أن تحد وحدها من خطر ميليشيات الحوثي".،
وعليه يقترح "وجود استراتيجية أوسع تأخذ في الاعتبار دعماً عسكرياً واقتصادياً للحكومة اليمنية في تحرير باقي المناطق اليمنية أو على الأقل محافظة الحديدة".
ما قاله الدخيني أكده، الخبير اليمني الاستراتيجي عمر حسن من أن "الولايات المتحدة كان لديها سوء تقدير عن مستوى ترسانة التسليح لدى الحوثيين؛ لكن اختبار الجماعة في المواجهة بالبحر الأحمر كشف لواشنطن أن تقديراتها بشأن الانقلابيين لم تكن دقيقة".
وأضاف في حديثه مع "العين الإخبارية"، أن "الحوثيين استخدموا أسلحة متطورة من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية البحرية التي أصابت بعضها السفن بشكل مباشر"..
وأشار إلى أن "واشنطن تدرك جيدا أن الأسلحة التي بحوزة الحوثيين هي أسلحة إيرانية وليست محلية؛ وأمام هذه الاستنتاجات التي كشفتها مواجهة البحر الأحمر بدأت الولايات المتحدة توجها جديدا بهدف تجفيف منابع تهريب هذه الأسلحة كونها باتت تهديدا دوليا في منطقة حساسة من العالم".
ولفت إلى أن أنسب طريقة لواشنطن للتعامل مع هذا الخطر المتنامي هو منع وصول الأسلحة إلى الحوثيين.
ورغم ذلك، إلا أن حسن يعتقد أن "إيران ستجد الوسيلة للتحايل على الخطة الأمريكية؛ لذا فإن السبيل الوحيد الكفيل بتحييد خطر الحوثيين هو دعم الحكومة اليمنية لاستكمال معركة استعادة الدولة وتحرير الحديدة والسواحل الغربية ".
ومنذ مطلع العام الماضي أطاحت البحرية الدولية بشحنتين كانتا متجهتين للحوثيين.
وخلال العام نفسه، ضبطت كل من فرنسا، وبريطانيا، وأمريكا، 3 شحنات في خط تهريب معروف في بحر العرب يغذي الحوثيين.
وكانت السلطات اليمنية نجحت كذلك في ضبط أكثر من 22 شحنة في المنافذ البرية وحواجز التفتيش وأخرى، بموجب المعلومات الاستخبارتية عن طرق وأوكار التهريب