هناك احتمال قوي لشن هجوم بري إسرائيلي وشيك على مدينة رفح الفلسطينية، وسط مخاوف من وقوع كارثة إنسانية ستؤدي إلى احتدام الأوضاع المأساوية في قطاع غزة، الذي يدخل شهره الخامس تحت النيران.
ويسعى الإسرائيليون جاهدين للحصول على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة، وربما دول أخرى، لشن الهجوم من أجل تحرير الأسرى وتدمير كتائب حماس في جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر.
ويقول الكاتب محمود حسن في تقرير نشره موقع مونيتور الشرق الأوسط إن “الموقف المصري من هذا الأمر مازال غامضا”.
ويضيف حسن أن “مصر تتأرجح بين رفض الهجوم أو القبول به وتحمّل عواقبه، وربما مازال النظام ينتظر المزيد من الترتيبات”.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل بصدد تطوير خطة مزدوجة لإجلاء المدنيين من رفح وسحق ما تبقى من ألوية حماس. لكن إعادة احتلال القطاع، أو تحديداً السيطرة على ممر فيلادلفيا (صلاح الدين) على الحدود مع مصر، تبقى على أجندة تل أبيب لتدمير الأنفاق ومنع وصول الأسلحة إلى فصائل المقاومة.
ويقول نتنياهو “إنه من غير الممكن تحقيق أهداف الحرب في غزة بينما تحتفظ حماس بأربعة ألوية لها في رفح”.
ويعني ذلك أن المزيد من القصف والاجتياح البري سيشهده جنوب قطاع غزة، وهو منطقة ذات كثافة سكانية عالية؛ إذ يسكنها نحو 1.4 مليون فلسطيني نزحوا من منطقتي الشمال والوسط. وقد يؤدي ذلك إلى مذبحة دموية للآلاف من المدنيين ويمهد الطريق للهجرة الجماعية نحو مصر.
ويبدو أن قوات الجيش الإسرائيلي قد وضعت اللمسات الأخيرة على خطة لغزو رفح، لكن كبار الضباط ينتظرون موافقة القاهرة.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس الأسبوع الماضي “سنتعامل مع رفح بعد أن نتحادث مع مصر حول هذا الأمر… سوف نقوم بتنسيق هذا… لدينا اتفاق سلام معهم (المصريين)، وسنجد مكانًا لن يؤذي المصريين… سننسق كل شيء ولن نضر بمصالحهم”.
ويقول مراقبون إن الهجوم يبدو للوهلة الأولى هادفا إلى خفض سقف المطالب التي تطرحها حماس على طاولة المفاوضات، لكنه قد يكون غطاء لتمرير اتفاق تهجير سري يجعل مصر تبدو وكأنها مجبرة على قبول تدفق أعداد كبيرة من الفلسطينيين.
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري في مؤتمر ميونخ الأمني مؤخرا إن “مصر ليس لديها خطة لاحتواء النازحين من رفح”. وأضاف “ليس لدينا أي نية لتوفير مناطق آمنة للنازحين، لكن إذا فرض علينا الأمر الواقع فسوف نتعامل مع الوضع ونقدم الدعم الإنساني”.
وكان هذا مؤشراً واضحاً على قبول مصر للعواقب المترتبة على الهجوم البري على رفح، خاصة وأن شكري هاجم حماس أيضاً، مطالباً بمحاسبة أنصارها ومموليها، و قال إن الحركة خارج الإجماع الفلسطيني.
ويمثل هذا انتهاكا لشروط الاتفاق المتعلقة بالمنطقة “د” التي تقع داخل رفح، والتي تحدد عدد الجنود الموجودين هناك ونوع الأسلحة التي يمكن نشرها.
وتقع المنطقة “د” بين خط الحدود المصرية – الإسرائيلية والخط “د” الذي يمتد من شرق رفح إلى إيلات.
ويسمح ملحق معاهدة السلام لإسرائيل بوضع قوة محدودة في هذه المنطقة مكونة من أربع كتائب مشاة، غير مجهزة بالدبابات أو المدفعية، بل فقط بصواريخ أرض جو.
ويجب ألا يتجاوز إجمالي عدد الجنود الإسرائيليين في الكتائب الأربع 4000 جندي بالإضافة إلى 180 مركبة.
واللافت للنظر أن رفض مصر السماح لإسرائيل بإرسال قوات إلى رفح، واحتلال ممر فيلادلفيا، والتهديد بتعليق اتفاق السلام، صدر عن الهيئة الإعلامية المصرية، وهي وكالة إعلامية تابعة لرئاسة الجمهورية. لكن بعد ذلك مباشرة سارع شكري إلى التأكيد على أن هناك اتفاق سلام بين بلاده وإسرائيل، وأنه ساري المفعول منذ 40 عاما، وسيظل كذلك، بغض النظر عن أي تعليق حول هذا الموضوع.
وبالنظر إلى ذلك من المرجح أن يتم التوصل إلى تفاهمات وتنسيق رفيع المستوى.
وستتناول التفاهمات حجم التواجد العسكري وفترة انتشار القوات الإسرائيلية في رفح ونوع الأسلحة المستخدمة وتبادل المعلومات وتكثيف دوريات المراقبة، وتفاصيل أخرى تتعلق بسير العملية. ومن المقرر الانتهاء من ذلك قبل حلول شهر رمضان. وقد تتيح هذه التفاهمات للجانب المصري مرونة في إدانة الهجوم الإسرائيلي. وتستند هذه النظرية إلى سابقة تاريخية حدثت منذ فترة، عندما سمحت الحكومة المصرية للطائرات الإسرائيلية بتنفيذ أكثر من 100 غارة جوية على مدار عامين، ضد تنظيم داعش في شبه جزيرة سيناء، بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في فبراير 2018.
وتشمل الخطط المقترحة إخلاء رفح، وفتح ممرات آمنة، ووضع بوابات إلكترونية لفحص النازحين في الجنوب ونقلهم إلى الشمال، وإقامة مخيمات على ساحل غزة، ومن ثم تنفيذ عملية عسكرية برية في رفح. وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن مصر ستقدم الرعاية الصحية والمساعدات عن طريق البحر.
ويبلغ طول الحدود المصرية مع غزة 14 كيلومترًا فقط، وشهدت مؤخرًا أنشطة عسكرية وأمنية شملت نشر حوالي 40 دبابة وناقلة جند مدرعة في رفح، ومروحيات عسكرية، وفرق هندسية لتمهيد المنطقة العازلة، وبناء مربعات أمنية محاطة بأسوار داخلها.
وكان سكان رفح على الجانب المصري من الحدود قد نزحوا منذ سنوات، والمنطقة الآن جاهزة لاستقبال موجات من النازحين الفلسطينيين، على أن تكون منطقة أمنية مغلقة داخل سيناء.
وتؤكد مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، ومقرها المملكة المتحدة، أن أعمال البناء تجري حاليًا بوتيرة سريعة لإنشاء منطقة أمنية معزولة على الحدود مع قطاع غزة، تحت إشراف الهيئة الهندسية للجيش المصري.
وهذا ما أكدته رويترز لاحقًا نقلاً عن أربعة مصادر مصرية، أفادت بأن مصر شرعت في إعداد منطقة لإيواء اللاجئين الفلسطينيين.
وذكرت وكالة أسوشيتد برس أن هذه الأخبار مدعومة بصور الأقمار الصناعية التي تظهر أن السلطات المصرية تقوم ببناء جدار وتسوية الأراضي بالقرب من الحدود مع قطاع غزة.
وتعد رفح الفلسطينية موطنا لواحدة من أقوى فرق الجناح العسكري لحركة حماس، كتائب القسام، التي تحافظ على جاهزيتها القتالية الكاملة بعشرة آلاف مقاتل. كما أن لفصائل المقاومة الأخرى تواجداً عسكرياً هناك، وبنية تحتية عسكرية لم تتضرر، على عكس مناطق شمال القطاع ووسطه.
ويرى مراقبون أن الهدف من عملية رفح هو احتلال ممر فيلادلفيا الذي تعتبره إسرائيل شريان الإمداد العسكري لقطاع غزة والسر وراء صمود حماس منذ أكتوبر الماضي.
وبحسب التقديرات الاستخباراتية، فإن الممر هو مركز أنفاق تهريب الأسلحة، وربما مقر عمليات القسام.
وبالفعل يتخوف المصريون من إمكانية أن تكشف الأنشطة الجارية عن سيناريو قد تتوسع فيه حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة إلى مصر.