تمثل محاربة سوء التغذية بجميع أشكاله واحدا من أكبر التحديات التي تواجه الصحة العمومية في العالم لما لها من تداعيات خطيرة ودائمة بالنسبة إلى الأفراد وأسرهم والمجتمعات المحلية والبلدان وتتعرض النساء والرضع والأطفال والمراهقون بصفة خاصة لمخاطر سوء التغذية ومن الضرورة بمكان الاستثمار في الاحتياجات الغذائية.
وبعد أكثر من تسعة أعوام من النزاع والحرب المستعرة التي تشنها مليشيا الحوثي الإرهابية على مناطق شمال وغرب الضالع يشكل سوء التغذية مصدر قلق كبير في أجزاء كثيرة من مناطق ومديريات الضالع ، وأدى تدهور الخدمات الصحية والأزمة الاقتصادية وانخفاض القوة الشرائية للمتطلبات الاساسية للعيش إلى جانب صعوبة الحصول على مياه الشرب المأمونة إلى زيادة معدلات سوء التغذية وأصبح الوصول إلى الخدمات الصحية والتغذية وغيرها من الخدمات المنقذة للحياة أكثر صعوبة.
فالضالع هي المحافظة المنكوبة والتي تعيش أوضاع استثنائية صعبة جدا وذلك بسبب الحرب القائمة على الحدود وبسبب موجة النزوح الكبيرة للسكان الذين يعيشون في مناطق التماس والذين اجبرتهم الحرب على ترك منازلهم والتوجه اليها ، اضافة الى غلاء المعيشة وانعدام فرص العمل وانعدام الخدمات الصحية التي ادت الى تفشي الاوبئة والامراض واصابة الاطفال بالامراض وسوء التغذية.
فقد وصلت اعداد الأطفال المصابون بسوء التغذية الحاد الوخيم والمتوسط إلى أكثر من 36000 حالة بمعدل 30% من اجمالي الأطفال و 6 حالات وفاه بامراض سوء التغذية خلال الاشهر الاخيرة من عام 2023 حسب التقارير المرفوعة من قبل الفرق الميدانية التابعة للعربات المتنقلة لمنظمة اليونيسف العامله في المحافظة والتي عملت على معالجة ما يقارب من 24000 الف حالة من امراض سوء التغذية بنوعية الوخيم والمتوسط.
اكثر من 36 الف طفل يعاني من سوء التغذية وما يقارب نسبة 13% من هؤلاء الاطفال يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم وهي حالة مهددة للحياة في حال لم تعالج بصورة عاجلة فيما تصاعد معدل سوء التغذية بين الأمهات بنسبة 25% مما يعرض النساء والأطفال الحديثي الولادة للخطر ويعد الأطفال والنساء من الفئات الأكثر هشاشة وسط النزاعات، وللصراع الدائر في البلد أضرار فادحة طاولت قدرة الناس على الصمود، وأضعفت إمكانية العديد من الأسر في الحصول على الأغذية المغذية والآمنة والميسورة الكلفة، مثل الفواكه الطازجة والخضروات والبقوليات واللحوم والحليب، وترتبت آثار وخيمة على تلك الأسر وصحة أفرادها كما ان الطبيعية الجغرافيه لكثير من مناطق الضالع ساعدت في تردي الوضع الانساني من خلال وعورة الطرقات التي تربط بين مديريات المحافظة والوضع المعيشي الصعب للأهالي بتلك المناطق وتشير الإحصاءات إلى أن طفلا واحدا من بين كل خمسة دون سن الخامسة في أنحاء مختلفة في مناطق مديريات الضالع يعاني من سوء تغذية حاد، وأن 45% من الأطفال يعانون من التقزم، وأكثر من 86% يعانون من فقر الدم، ومن المتوقع أن ترتفع الاعداد بسبب الوضع المعيشي الصعب .
سوء التغذية يتسبب في تبعات فظيعة على الأطفال الأشد ضعفا ويترك تبعات مدمرة على حياة النساء وعافيتهن، ويفاقم الفقر مخاطر الإصابة بسوء التغذية والمخاطر التي تنتج عنه، والأشخاص الذين يعانون من الفقر أشد تعرضا للإصابة بمختلف أشكال سوء التغذية، فهم يضطرون إلى تدابير يائسة لإطعام أنفسهم وأسرهم، ولهذا الأمر تداعيات كبيرة على الصحة البدنية والعقلية.
محافظة الضالع تلك المحافظة التي لم تبخل يوما تجاه الوطن يجري معاقبتها نظير ما قدمته من تضحيات على كل ربوع الوطن، وذلك من خلال انعدام الخدمات وشحة المساعدات الانسانية وعزوف المنظمات الاغاثية عن تقديم المساعدات وهو ما زاد من تفاقم الوضع الانساني وزيادة حدة المعاناة لدى المواطنين، كما ان تدهور الوضع الاقتصادي القى برمته على كل مناحي الحياة حيث زادت نسبة تسرب الاطفال من المدارس وتفشي الزواج المبكر للفتيات نتيجة لتلك الظروف الاقتصادية والوضع الذي يمكن وصفة بالكارثي حيث تعاني محافظة الضالع من شحة المساعدات الانسانية وتخاذل الحكومة عن الأوضاع الكارثية التي تعيشها محافظة الضالع وعزوف المنظمات الاغاثية عن تقديم الدعم إلا ما ندر .
فالعديد من المنظمات الدولية الاغاثية التي كانت تعمل في مجال الصحة توقفت انشطتها واخرها العربات المتنقلة التابعة لمنظمة اليونيسف والتي كانت تعمل على مكافحة امراض سوء التغذية في المحافظة توقفت عن العمل حسب تأكيد المواطنين الذين وجهوا صرختهم المدوية الى الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية بسرعة التدخل في المحافظة لإنقاذ الأطفال الذين تقتلهم امراض سوء التغذية والأمراض الاخرى ، و تقديم المساعدات لتخفيف من المعاناة لدى الأهالي ولاسيما مع قدوم شهر رمضان الكريم وزيادة احتياجات الناس الذي يقابله ارتفاع في اسعار المواد وانقطاع الرواتب وانهيار سعر العملة المحلية وانعدام فرص العمل.
كما يعد النظام الغذائي غير الصحي وسوء التغذية من عوامل الخطر الرئيسية للإصابة بأمراض أمراض القلب والأوعية، وتؤدي التغذية غير الكافية إلى ضعف التطور الإدراكي، وإضعاف جهاز المناعة، وبحسب تقارير أممية يزيد ضعف أجهزة المناعة من خطر الوفاة بين هؤلاء الأطفال دون سن الخامسة بنسبة تصل إلى 11 مرة مقارنة بالأطفال الذين يتغذون جيدا.