مع اقتراب انقضاء الشهر الأول على انطلاق ضربات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، ضد مواقع عسكرية تابعة لميليشيا الحوثي في اليمن، تبدو هذه العمليات غير ناجعة حتى الآن في تحقيق أهدافها الرامية إلى “تأمين الملاحة الدولية”، قرب أحد أهم المعابر المائية في العالم.
نحو 300 غارة جوية وبحرية حتى يوم الاثنين الماضي، وفق إعلان ميليشيا الحوثي، لم تكن كافية لإيقاف الهجمات ضد السفن في ممرات الملاحة الدولية، بل دفعت الميليشيا إلى تصعيد هجماتها على امتداد البحر الأحمر وخليج عدن وصولًا إلى بحر العرب، وتوسعة أهدافها لتشمل سفنًا تجارية وعسكرية، أمريكية وبريطانية، إلى جانب الإسرائيلية والمتجهة إلى إسرائيل.
وبحسب المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينج، فإن واشنطن تتبع الآن إستراتيجية متعددة الجوانب، لإعادة السيطرة على البحر الأحمر في أسرع وقت ممكن.
وكشف ليندركينج، في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” أمس الثلاثاء، أن إستراتيجية بلاده تتضمن استخدام الضربات الجوية لإضعاف قدرات الحوثيين على مهاجمة السفن، وتكثيف الجهود لاعتراض الأسلحة الإيرانية المرسلة إلى الميليشيا، إلى جانب زيادة الجهود الدبلوماسية للضغط على الحوثيين.
وذكر أن واشنطن “لا تفكّر في تسليح أو تمويل أيّ من الفصائل اليمنية المناهضة للحوثيين، ولا تريد تأجيج نيران الصراع العسكري داخل اليمن”.
ويرى خبير الشؤون الإستراتيجية والعسكرية، علي الذهب، أن الإستراتيجية الأمريكية المرنة في تعاملها مع الحوثيين، “غير مجدية إطلاقًا حتى على المدى الطويل وإن استمرت لعام، لأن مثل هذه الإستراتيجية لم تفلح مع إيران ولا مع حزب الله ولا مع الجماعات المسلحة الأخرى”.
وقال في حديثه لـ”إرم نيوز”، إن الحوثيين أصبح لديهم موانئ ومنافذ كثيرة لإدخال المواد الأولية لإعادة التسليح، فضلًا عن جلب الموارد المالية وملء خزينة حكومتهم التي تخدم تصنيع المزيد من الصواريخ والطائرات غير المأهولة، “وذلك يعني استدامة التهديد”.
وأشار الذهب إلى الإستراتيجية المقابلة التي تعتمدها ميليشيا الحوثي، والقائمة على “معركة النفس الطويل”، وهو ما قال إنه يجعل إستراتيجية الولايات المتحدة غير مثمرة، وتُبقي شوكة الحوثيين وتهديداتهم ماثلة أمام الملاحة البحرية، “ما لم يكن هناك تفعيل للإرادة الداخلية لدى الأطراف الحكومية والأطراف المناوئة للحوثيين”.
وأكد أن دخول الحكومة اليمنية والقوات الموالية لها في فعل عنيف ومواجهة حقيقية لاستعادة الدولة وإزاحة الحوثيين نحو المناطق الداخلية، سيجبر الميليشيا على رفع أيديها عن ممرات الملاحة الدولية ومياه البحر الأحمر وخليج عدن، نظرًا لعدم تفرّغها وانشغالها بالحرب الداخلية.
واستهدفت الهجمات الأمريكية البريطانية منذ انطلاقها في الـ12 من يناير/ كانون الثاني المنصرم، قدرات الحوثيين في مناطق سيطرتهم المختلفة، بما فيها الطائرات المسيّرة والصواريخ المختلفة والرادارات الساحلية والاستطلاع الجوي، إضافة إلى اعتراض صواريخ معدّة للإطلاق، قبل أن ترتفع نوعية الأهداف في أعنف جولات الضربات مطلع الأسبوع الجاري، لتشمل “منشآت تخزين الأسلحة المدفونة وأنظمة الصواريخ ومنصات الإطلاق”.
يقول الخبير العسكري، العقيد وضاح العوبلي، إن تأثير الإستراتيجية الأمريكية البريطانية “ما زال محدودًا حتى الآن، لكن يبدو من خلال المعطيات، أن هذه العمليات تأخذ مسارًا تصاعديًّا من حيث الكمّ والنوع والأهداف، إذ إن العمليات الأخيرة كانت أكثر بكثير من سابقاتها، وبعضها استهدف مواقع حوثية حساسة، فيما كانت الأخرى قريبة من أهداف ثمينة عسكريًّا بالنسبة لميليشيا الحوثي”.
ويعتقد العوبلي، في حديثه لـ”إرم نيوز”، أن عمليات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إذا ما استمرت “ستكون أكثر تأثيرًا خلال الفترة المقبلة، إذا ما اعتبرنا أن هناك جهدًا استخباراتيًّا واستطلاعيًّا مكثّفا ومتنوعًا خلال هذه الفترة، وهو ما سيسهم في بناء قاعدة بيانات استخباراتية تراكمية ومحدّثة، تنعكس على مسار تطوير العمليات الجارية ضد الحوثيين بدقّة أكبر”.
وبيّن أن الوصول إلى تقليص وخفض قدرات الحوثيين، يتطلب موازاة العمليات الجوية، بتقدمات برّية عبر القوى المحلية، إلى جانب تشديد الرقابة الصارمة على ممرات التهريب البحرية والبرّية للأسلحة الإيرانية وغيرها، إلى مناطق الحوثيين، “وهنا يمكن لهذه المسارات الثلاثة أن تؤدي بالمحصلة إلى تحقيق الاستنزاف الفعلي لقدرات الميليشيا”.
وأضاف أن الحوثيين سيجدون صعوبة في توفير أو تبديل الفاقد من قدراتهم، وذلك سيتزامن مع تقليص مسرح عملياتهم البرّية عبر تقدمات عسكرية للقوى المحلية، “وبالتالي إضعافهم وإرغامهم على الاستجابة للمبادرات والتسويات التي تضعهم في حجمهم الطبيعي، دون تشكيل أي تهديد مستقبلي على الأمن والاستقرار الداخلي والإقليمي والدولي، وهو ما لا يحصل إلا باستنزافهم إلى مستوى التوازن والتكافؤ مع باقي القوى المحلية”.
وعلى مدى سنوات الحرب اليمنية، طوّرت ميليشيا الحوثي من قدراتها الحربية البحرية، عبر خبراء إيرانيين وآخرين من ميليشيا حزب الله اللبناني المتواجدين في مناطق سيطرة الميليشيا، طبقًا لمنصة “سبأ” الاستخباراتية المحلية.
ويشير “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” في تحليل صدر أواخر العام الماضي، إلى قدرة الحوثيين العسكرية البحرية، على تعطيل الملاحة بشكل انتقائي حول مضيق باب المندب، بفضل الخبرات التكنولوجية والمعدات التي قدمتها إيران، عبر تعديل الأسلحة الموجودة أو إنتاج تصميمات إيرانية محليًّا.
وذكر المعهد أن من بين القدرات الحوثية والتكتيكات التي تم استخدام بعضها في الهجمات الأخيرة، الألغام الملتصقة، وهجمات الطوربيدات المأهولة أو الموجهة عن بعد بواسطة غواصين مدربين تدريبًًا خاصًّا، وإطلاق صواريخ قصيرة المدى من الزوارق السريعة، إضافة إلى الطائرات الهجومية المسيّرة الأحادية الاتجاه، وصواريخ كروز متنوعة مضادة للسفن، وصواريخ بالستية مضادة للسفن، فضلًا عن عمليات الصعود على متن السفن والاستيلاء عليها.
ويستعرض الموقع الرسمي لميليشيا الحوثي، أبرز قدراتهم العسكرية البحرية التي كُشف عنها الستار مؤخرًا، وبينها 12 نوعًا مختلفًا للصواريخ البحرية، بين متوسط وبعيد المدى، و8 أنواع للزوارق الحربية المأهولة والمسيّرة، و11 نوعًا مختلفًا من الألغام البحرية.
وعبّر فريق خبراء الأمم المتحدة في اليمن، في تقرير صادر في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، عن قلقه البالغ إزاء حجم وطبيعة العتاد العسكري الذي استعرضه الحوثيون في صنعاء والحديدة، خلال الفترة الأخيرة.