مع تزايد حدة الصراع في البحر الأحمر يبدو أن إمكانية إبرام صفقة بين الحوثيين وأميركا ضعيفة، خصوصاً مع استمرار الحوثيين باستهداف السفن الإسرائيلية أو تلك المتوجهة إلى إسرائيل، فيما صعدت أميركا من عمليات استهداف مواقع الحوثيين داخل اليمن.
وكان الحوثيون بدأوا الهجمات في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في مقابل بدء الولايات المتحدة، إلى جانب بريطانيا، في 12 يناير/ كانون الثاني الحالي، بتنفيذ ضربات متتالية على أهداف في اليمن، بحجة تقويض قدرات الحوثيين على الاستمرار في تنفيذ الهجمات.
> جهود أميركية فاشلة لوقف هجمات الحوثيين
وقادت الإدارة الأميركية جهوداً دبلوماسية بوساطة العُمانيين لحث الحوثيين على إيقاف هجماتهم التي تستهدف السفن في البحر الأحمر، غير أن هذه الجهود باءت بالفشل. حتى إن عضو المكتب السياسي للحوثيين محمد البخيتي قال للتلفزيون العربي، في 15 يناير الحالي، إن الجماعة رفضت عرضاً أميركياً للاعتراف بحكومة صنعاء شريطة وقف عملياتنا ضد إسرائيل والبحر الأحمر.
ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز"، أمس الأربعاء، عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الولايات المتحدة طلبت من الصين حث إيران على كبح جماح الحوثيين، لكنها لم تتلق أي مؤشر يذكر على المساعدة من بكين. وأوضحت أن الولايات المتحدة أثارت الأمر مراراً مع كبار المسؤولين الصينيين خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وذكرت أن مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان ونائبه جون فاينر ناقشا الأمر خلال اجتماعات مع رئيس الدائرة الدولية للجنة المركزية بالحزب الشيوعي الصيني ليو جيان تشو، في واشنطن أخيراً، وأن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أثار القضية أيضاً مع ليو جيان تشو.
وذكرت الصحيفة أن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أنه لا توجد مؤشرات تذكر على أن الصين مارست أي ضغوط على إيران لكبح جماح الحوثيين، بخلاف بيان فاتر أصدرته بكين الأسبوع الماضي يدعو كل الأطراف إلى مرور آمن للسفن.
وقال مسؤول أميركي للصحيفة إن هناك "بعض العلامات" على انخراط الصين في هذه القضية، ولكن ليس بطريقة كبيرة، مضيفاً: "لا أريد المبالغة في تقدير مقدار ما فعلوه أو التأثير الذي أحدثوه".
وبعد فشل الجهود الأميركية في إيقاف هجمات الحوثيين، لجأت الإدارة الأميركية بالشراكة مع بريطانيا إلى شن ضربات جوية على مواقع جماعة الحوثيين، بدأتها في 12 الشهر الحالي، استهدفت مواقع عسكرية، ومطارات، ومنصات إطلاق صواريخ، ومخازن أسلحة. وقد عملت الإدارة الأميركية على زيادة الضغط على الحوثيين لإيقاف هذه الهجمات، غير أن الجماعة لم تستجب للمطالب الأميركية، لتقوم واشنطن في 17 يناير الحالي بتصنيف جماعة الحوثيين جماعةً إرهابيةً.
الخطوات العسكرية والدبلوماسية الأميركية فشلت في إثناء جماعة الحوثيين عن الاستمرار بشن الهجمات الصاروخية وبالمسيرات على خطوط الملاحة الدولية والسفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن لإظهار الدعم والتضامن مع الفلسطينيين في غزة. "العربي الجديد" تواصل مع عدد من القيادات في جماعة " الحوثيين" للتعليق على العرض الأميركي المقدم إلى الحوثيين، غير أنها رفضت التعليق.
> استبعاد إمكانية إبرام صفقة بين الحوثيين وأميركا
واستبعد مراقبون للشأن اليمني إمكانية إبرام صفقة بين الحوثيين وأميركا، في ظل استمرار الهجمات التي تستهدف السفن في البحر الأحمر، واستمرار الضربات الأميركية والبريطانية ضد أهداف حوثية. ولا يسعى الأميركيون والبريطانيون للقضاء على الحوثيين، بل إن مسؤولين بريطانيين وأميركيين كباراً أكدوا، مراراً، أن الهدف من الضربات هو إضعافهم.
وفي السياق، أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، في تصريح صحافي أمس الأول الثلاثاء، أن الحملة الرامية لإضعاف القدرات العسكرية للحوثيين في اليمن ستستمر، بعدما شنت الولايات المتحدة وبريطانيا سلسلة جديدة من الهجمات الاثنين الماضي. وأضاف: "ما فعلناه مجدداً هو إرسال أبلغ رسالة ممكنة بأننا سنواصل الحد من قدرتهم على تنفيذ هذه الهجمات".
وأعرب الباحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، مراد العريفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده أنه "لا إمكانية لإبرام صفقة بين الحوثيين وأميركا بعد تكرار الضربات الجوية على مواقع الجماعة في اليمن، وتصاعد الجرأة الحوثية في مهاجمة السفن في البحرين الأحمر والعربي، إذ عند هذه النقطة خرجت الأمور عما نستطيع أن نصفه بالمحاولة الأميركية لتقويم سلوك الحوثيين في البحر الأحمر".
وأضاف: لا يبدو أن الإدارة الأميركية عرضت تماماً الاعتراف بسلطة صنعاء كما ورد في حديث البخيتي، بقدر ما إن هناك موقفاً سابقاً لها كان يرى أن جماعة الحوثيين لا بد أن تلعب دوراً في مرحلة ما بعد الحرب، وهو رهان بدا خاسراً في الوقت الحالي، بعد أن أفصحت الجماعة عن أن تهديدها لا يقتصر على الداخل اليمني فقط، بل إن طموحها يدفعها لتهديد مصالح دولية وإقليمية".
وأشار العريفي إلى أنه "كانت هناك إمكانية لإبرام صفقة بين الحوثيين وأميركا للتهدئة في الأيام الأولى من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، حينما حث الأميركيون سلطنة عُمان على أن تقود وساطة لإيقاف الضربات الحوثية، لكن الموقف العُماني بدا كأنه يدعم الحوثيين ضمنياً في هذا الملف، حتى تضغط هذه العمليات باتجاه التخفيف عن قطاع غزة وإجبار المجتمع الدولي وإسرائيل على إدخال الدواء والغذاء للمدنيين المحاصرين".
> الوضع متجه إلى التصعيد
ورأى أن "الوضع متجه إلى التصعيد بعد الضربات التي شنتها القوات الأميركية والبريطانية ليل الثلاثاء الماضي، واستهدفت ما بدا أنها مواقع حيوية. وللمرة الأولى صرّح المسؤولون الأميركيون والبريطانيون عن طبيعة الأسلحة المستخدمة في القصف، بينها صواريخ توماهوك وقنابل دقيقة التوجيه".
ولفت العريفي إلى أن "هذا التطور العسكري ذهب بالأزمة إلى مربع آخر، حيث تصر جماعة الحوثيين على الاستمرار في المواجهة، بينما تتخذ الإدارة الأميركية إجراءات عسكرية أكثر صرامة". وتابع: "صحيح أن هذه الإجراءات غير فعّالة حتى اللحظة في الحد من قدرة الحوثيين على شن الهجمات بعيدة المدى، لكنها كانت رسالة مهمة مفادها أننا قادرون على الوصول إليكم في أي وقت ومكان".
يشار إلى أن الجيش الأميركي أعلن، في بيان فجر أمس الأربعاء، أنه نفذ ضربتين أخريين في اليمن، ودمر صاروخين مضادين للسفن كانا موجهين نحو البحر الأحمر وكانا يستعدان للانطلاق. وقالت القيادة المركزية الأميركية: "حددت القوات الأميركية الصاروخين في مناطق يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، وقررت أنهما يمثلان تهديداً وشيكاً للسفن التجارية وسفن البحرية الأميركية في المنطقة، وبعد ذلك قصفت القوات الأميركية الصواريخ ودمرتها دفاعاً عن النفس".