حذرت دراسة بحثية حديثة من تأثيرات خطيرة للتغيرات المناخية في اليمن بوصفه من أكثر الدول تضرراً، والأقل استعداداً لمواجهات هذه التأثيرات، وبينت أن هذا البلد الذي أغرقه الحوثيون في صراع مسلح منذ 9 سنوات معرض بشدة للجفاف والفيضانات، وتفشّي الأمراض، وارتفاع مستوى سطح البحر.
الدراسة البحثية التي أصدرتها الجمعية اليمنية لرعاية الأسرة (حكومية) ذكرت أن لتغير المناخ آثاراً خطيرة على اليمن، وأن هذه التأثيرات ستمتد إلى جميع القطاعات والموارد في أنحاء البلاد، ورأت أن هذا الوضع بمثابة تحذير لبقية العالم بشأن ما يمكن أن يحدث إذا لم يُعَالَج تغير المناخ بشكل فعال وسريع.
معدو الدراسة طالبوا الجهات الحكومية والمجتمع المدني وقادة المجتمع والمجتمع الدولي بالعمل معاً لمعالجة تغير المناخ والقضايا البيئية في اليمن قبل فوات الأوان.
ونبهوا إلى أن مستقبل اليمن وشعبه يعتمد على هذه الجهود الجماعية للتخفيف من آثار تغير المناخ، والتكيف معها وحماية البيئة؛ لأنه من بين أكثر دول العالم عرضة لتغير المناخ، ومن بين أقل البلدان استعداداً للتخفيف من آثارها أو التكيف معها، إذ إنه الدولة رقم 22 الأكثر ضعفًا وفي المرتبة 12 من بين الأقل استعداداً.
الدراسة التي وزعها مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أكدت أن اليمن معرّض بشدة للآثار المرتبطة بتغير المناخ مثل الجفاف والفيضانات الشديدة والآفات وتفشّي الأمراض، والتغيرات في أنماط هطول الأمطار، وزيادة شدة العواصف، وارتفاع مستوى سطح البحر؛ ما يهدد الوضع الهش أصلاً.
ذكرت الدراسة أن هطول الأمطار في اليمن يتميز بعواصف شديدة موسمياً وقصيرة الأمد تؤدي في كثير من الأحيان إلى فيضانات مفاجئة، ويترتب على ذلك انهيارات أرضية، وتآكل التربة، واقتلاع النباتات، وتدهور المدرجات الزراعية، وفي بعض الأحيان تسبب هذه الفيضانات أضراراً اقتصادية كبيرة وخسائر في المحاصيل والأرواح.
وتناولت الدراسة الوضع المناخي حالياً، وقالت إن ظروف الجفاف تزامنت مع ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة؛ ما أثر على جميع المناطق الزراعية في البلاد، ونتيجة لذلك ارتفعت نسبة التصحر وإزالة الغابات من 90 في المائة في عام 2014 إلى 97 في المائة في عام 2022، إذ يعد اليمن من أكثر 5 دول منخفضة الدخل عرضة لارتفاع مستوى سطح البحر، ومن المتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر فيه بمقدار 0.3 إلى 0.54 متر بحلول عام 2100.
وتشير التقديرات - وفق الدراسة - إلى أن نحو 19 مليون يمني (نحو 62 في المائة من السكان) يواجهون انعدام الأمن الغذائي، حيث يعيش 161 ألف شخص في ظروف شبيهة بالمجاعة، وفي ما يتعلق بالقطاع الصحي، فإن الكثير من الأمراض المتوطنة والوبائية في اليمن تتأثر بالأحداث المناخية، إذ إن ازدياد العواصف والفيضانات أدى إلى نزوح وإصابات وخسائر في الأرواح، بالإضافة إلى ذلك، يرتبط الجفاف والفيضانات بزيادة خطر سوء التغذية والأمراض المنقولة.
ووفق الدراسة، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدي إلى تسرب المياه المالحة، ما يجعل طبقات المياه غير صالحة للشرب، وبالتالي ستتفاقم مشكلات ندرة المياه.
وأوضحت أن عدن هي سادس أكثر المدن في العالم عرضة لارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف، وقالت إن تأثير هذه التغيرات على موارد المياه كانت واضحة، حيث يؤدي ارتفاع درجة حرارة الهواء إلى زيادة التبخر، وانخفاض هطول الأمطار، وتغير أنماط الطقس التي تسهم في ندرة المياه. كما تتسبب الفيضانات أيضاً في تلوث المياه السطحية والجوفية؛ لأنها تحمل ملوثات مختلفة مثل مياه الصرف الصحي والنفايات الكيميائية.
ولأن التغير المناخي يؤثر في إعادة تغذية طبقات المياه الجوفية بسبب التغير في هطول الأمطار من حيث الكمية والتوزيع، فقد أكد معدو الدراسة أن اليمن سابع أكثر دولة ندرة في المياه، وأنه مع تضاؤل منسوب المياه الجوفية الذي يتراوح بين 3 إلى 8 أمتار سنوياً في الأحواض الحرجة، تأثر قطاع الزراعة بالفيضانات والجفاف والآفات، ما أسهم في انخفاض إنتاجية المحاصيل.
بيانات الدراسة أفادت بأن التصحر الناجم عن الجفاف أدى إلى خسارة سنوية تتراوح بين 3 و5 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة، وأن ندرة المياه تظل أكبر عائق أمام تحسين الإنتاجية الزراعية، وحذرت من أن يؤدي استنزاف الموارد المائية إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية بنسبة 40 في المائة، في وقت أدت فيه الفيضانات إلى تآكل التربة وفقدان الأراضي الزراعية، ما أدى إلى انخفاض الأراضي الزراعية من 1.6 مليون هكتار في عام 2010 إلى 1.2 مليون هكتار في عام 2020.
وتشير الدراسة إلى أن تغير المناخ ينتج عنه المزيد من النازحين واللاجئين؛ حيث يؤدي تدهور الأراضي ومصادر المياه إلى نزوح الناس بحثاً عن الموارد الحيوية، ولهذا يكون النازحون أكثر عرضة لتغير المناخ والظواهر الجوية المتطرفة بما في ذلك أحداث الفيضانات التي يمكن أن تدمر بسرعة البنية التحتية المحدودة في المخيمات، فضلاً على موجات الحر التي لا تترك للناس سوى خيارات قليلة للتبريد والمأوى.
وبالإضافة إلى ذلك، أوضحت الدراسة أن الأطفال يتأثرون أيضاً بتغير المناخ، بما في ذلك أمراض الإسهال وحمى الضنك، خلال فترات الفيضانات، كما أن كبار السن، خصوصاً ذوي الإعاقة والنساء، من الفئات الأكثر تضرراً من الآثار المرتبطة بالمناخ مثل الانتشار الكبير للأمراض المنقولة، والإجهاد الحراري، وزيادة تواتر وشدة الكوارث المفاجئة والبطيئة الظهور التي يمكن أن تؤثر على صحتهم ورفاهيتهم الجسدية والعقلية.