يعاني النازحون في الأحياء الشرقية من مدينة تعز، القريبة من خطوط التماس، من ويلات القذائف الحوثية التي تقع على منازلهم بشكل متواصل، وطلقات القناص الحوثي التي تحصد أرواحهم وتحاصرهم ليلا ونهارا.
أمل المقطري (43 عام) أحد النازحين إلى حي الخضراء مع أطفالها الأربعة منذ سبع سنوات، بعد أن قتل زوجها على يد قناص حوثي في وادي صالة؛ الأمر الذي اضطرها للنزوح من هناك إلى حي الخضراء القريب من خطوط التماس.
تقول أمل:"نزحنا من وادي صالة عام 2016 م، يوم استشهاد زوجي، بقنص من قبل الحوثي،اضطرينا أن ننزح إلى المنزل هذا، بالقرب من مدرسة محمد علي عثمان وهو أيضا خط تماس، والمسافة الفاصلة بيننا وبين الحوثي عدة أمتار.."
كذلك النازح عبدالرحمن العَبَادي (55 عاما) يحكي أسباب نزوحه إلى حي الخضراء قائلا :" قامت ميليشيات الحوثي بتفجير المنزل المجاور لمنزلي في قريتي بحيفان، وتضرر منزلي من الانفجار ، بعدها نزحت أنا وأسرتي إلى هنا في تعز؛ لأننا لم نجد أي سكن هناك "
رعب دائم
"في الليلة الماضية لم ننم إلى الصباح بسبب القذائف التي تتساقط على الحي.. في الليلة الماضية سقطت قذيقة بالمنزل المجاور وتكسرت نوافذ منزلنا إلى فوقنا ونحن نائمين." هكذا قالت خديجة محمد (50 عاما)، أحد سكان الحي الذين لم ينزحوا، وهي تصف حالة الهلع الذي تعيشه هي وسكان الحي بسبب القذائف الحوثية التي تتساقط على منازلهم.
ويضيف العبادي أن أطفاله يعيشون برعبٍ طوال الليل بسبب أصوات القذائف الحوثية المتساقطة على الحي وأصوات الرصاص.
ويُتبِع أن أكثر تحركهم في الحي يكون ليلا، وخاصة عندما ينقلون احتياجاتهم اليومية كالماء والبُر، حتى لا يطلق عليهم القناص، كما أطلق على مدنيين آخرين من سكان الحي وقتلهم.
يؤكد عبدالرحيم الجلال عاقل أحياء جبل الشماسي والزهراء والخضراء والأحياء القريبة، أنه خلال شهر فقط تعرضت ثلاث نساء للإجهاض قبل الولادة؛ بسبب المخاوف من أصوات الانفجارات والضرب الحوثي، وأشار إلى أن هذه الحالات مسجلة في المستشفى الجمهوري بشكل رسمي.
وبيَّن الجلال أن عدد المدنيين في حي الزهراء فقط، الذين قتلوا 51 فرد، منذ بداية الحرب إلى الآن، ومدونين بشهائد وفاة و أسمائهم معروفة.
معناة مستمرة
لم تكن القذائف الحوثية وطلقات قناص المليشيا وحدها هي من تفاقم حياة النازحين في خطوط التماس، بل أن الأوضاع المعيشية هناك تفاقمت كثيرا بسبب نتائج الحصار الذي يفرضه القناص الحوثي، الذي يمنع الحركة في الحي تماما، الأمر الذي أدى إلى حرمان سكان الحي والنازحين هناك من دعم المنظمات الإغاثية، أو أي وصول لأي مبادرات إغاثية أخرى.
"غانية عبده" إحدى النازحات في حي الخضراء، معاقة حركيا، تقول :"أني مشلولة بسبب جلطة، ولا يوجد لدي مال لشراء الدواء، حتى أنني لا أستطيع شراء ماء الشرب لي ولأطفالي السبعة، وحياتنا هنا أني وأطفالي كلها عذاب وخوف وجوع، ولم نتلقى دعم من المنظمات الإغاثية" كذلك أمل المقطري تتحدث عن الوضع المعيشي لها وأسرتها : "نحن نعيش في هذا المنزل المدمر؛ لأننا لا نقدر على استئجار بيت بمكان آمن، واضطررنا لمعايشة الوضع هنا بالرغم أنها منطقة تماس أيضا، وأوضاعنا المعيشية سيئة جدا."
أما عبدالرحمن العبادي فيقول:"نحن مضطرين أن نسكن هنا بهذه المنازل المدمرة، وبالقرب من خط التماس، بين الرصاص والقصف وأصوات الأسلحة؛ لأنه لا يوجد لدينا بديل، ولا يوجد لدي راتب حتى انتقل إلى مكان آمن، فأنا موظف بالأشغال العامة ولم استلم راتبي منذ بداية الحرب."
وأتبع :"نعيش هنا بهذه البيت المدمرة التي لا يوجد بها نوافذ ولا أبواب ، نعيش بين البرد،والأولاد يعيشون في قلق وخوف دائم، ولا توجد أي منظمات تنزل إلى هنا؛ بسبب أن هذا الحي قريب من خطوط التماس."
أحياء منكوبة تعد هذه الأحياء الواقعة في الجبهة الشرقية من مدينة تعز والقريبة من خطوط التماس من الأحياء المنكوبة في المدينة بحسب الدفاع المدني لمحافظة تعز، ومجلس مبادرات تعز.
ويؤكد عبدالرحيم الجلال أن هذه الأحياء منكوبة وأنها أكثر الأحياء تضررا؛ حيث شهدت موجة نزوح كبيرة، بلغ عدد السكان والأسر النازحة في حي الزهراء ألف نازح، وفي جبل الشماسي 400 أسرة نازحة، وذلك بموجب الإحصاء الرسمي للتعداد السكاني 2004م.
وبين أن عدد سكان حي الزهراء كان 1184 أسرة، بعدد منازل 1250 منزل ،أي شقة، لكن المستاجرين حاليًا عددهم 204 ساكن، مما يدل على أن عدد النازحين ألف ساكن، كذلك المباني تضررت بشكل بليغ، فهناك من تضررت كليا بنسبة 80%، وهناك من تضررت نسبيا بنسبة 20%.
ويصف حالة الحصار على هذه الأحياء قائلا:" هذه الأحياء كأنها محصورة في نقطة وسط دائرة، والدائرة مغلقة من جميع الجهات، فهم منعدمون من جميع الخدمات الإنسانية ، لا توجد مواصلات تصل إلى هذا الحي ، ولا يوجد صحة، ولا تعليم ولا ماء ولا كهرباء، يعيشون في الظلام الدامس طوال الليل، خوفا من القناصين لأنهم إذا رأوا ضوء في أحد المنازل يتم القنص على السكان سواء كانوا نساء أو اطفال أو مدنيين."
وناشد"الجلال"، عاقل هذه الأحياء، الجهات الإنسانية للتدخل الاغاثي العاجل:"نحن نناشد الجهات الإنسانية، فكما قلت أن هذا الحي يعيش مأساة إنسانية تستدعي التجاذب الإنساني والتعاون الإنساني لإنقاذ هذه الأحياء، لأن سكانها فقدوا جميع مصادر الدخل."