يمكث محمود الهمداني (50 عاماً) مع أفراد عائلته فوق سطح المنزل بعد رشه بالماء خلال ساعات الليل، وذلك هرباً من موجة الحر الشديدة التي اجتاحت منذ منتصف مايو (أيار) الماضي العاصمة صنعاء وضواحيها ومناطق أخرى.
ويضطر محمود بفعل ارتفاع درجات الحرارة وانعدام المكيفات بأغلب المنازل وغياب التيار الكهربائي الحكومي، إلى الصعود كل ليلة عقب صلاة العشاء إلى سطح المنزل مع أمتعته حتى ينعم بالأجواء الباردة.
وإلى جانب معاناة محمود، يقضي «علاء.م»، وهو عامل بالأجر اليومي في صنعاء، أغلب ساعات الليل وسط حالة من القلق والخوف على زوجته وأطفاله حال داهم مجهول منزله للسرقة أو القتل.
ويضطر علاء كل ليلة إلى فتح باب شقته في الطابق الأول، لساعات بسبب موجة الحر عله بذلك يدخل بعض الهواء البارد، حتى تتمكن زوجته الحامل في شهرها السادس وبقية أطفاله من النوم دون عناء.
ويكاد علاء وأسرته يختنقون في الشقة من شدة الحر، بسبب عدم وجود تهوية مناسبة، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لو كان وضعي المادي متيسراً لاشتركت بخدمة الكهرباء التجارية ووفرت مروحة تساعدنا على تجاوز محنة ارتفاع درجة الحرارة».
ومثل «محمود» «وعلاء» يعاني ملايين السكان في صنعاء وغيرها، من موجة حر ملحوظة هذا الصيف، يرافقها أزمات معيشية واقتصادية متلاحقة يكابدها معظم اليمنيين منذ سنوات أعقبت انقلاب الميليشيات الحوثية.
مرضى بسبب الموجة
مع تسجيل درجة الحرارة الصغرى في العاصمة صنعاء وريفها نحو 25 درجة، وهي تحدث لأول مرة منذ أربعين عاماً، شكا السكان في المدينة لـ«الشرق الأوسط»، من تضاعف الأعباء والمشقات جراء موجة الحر التي لم يسبق أن وقعت بمناطقهم خلال السنوات الماضية.
وأكد أحمد، وهو موظف في قطاع النقل، أن موجة الحر أضافت إلى معاناتهم اليومية هماً جديداً إلى جوار التدهور المعيشي وانعدام الخدمات بما فيها الكهرباء الحكومية، وارتفاع سعر الكهرباء التجارية، الذي أفقدهم القدرة على استخدام المراوح وأجهزة التكييف وتبريد المياه للتخفيف من آثار حرارة الجو.
وبينما ينصح خبراء الأرصاد السكان في صنعاء وغيرها بالإكثار من شرب السوائل وعدم التعرض المباشر لأشعة الشمس، يشكو صادق غيلان، وهو بائع متجول في صنعاء، من تعرضه في الأيام القليلة لإصابات بسبب ضربة شمس كالطفح الجلدي وتشنج العضلات.
وتؤكد مصادر طبية في صنعاء وصول مرضى كثر في الفترة الأخيرة غالبيتهم من الأطفال وكبار السن إلى مشافي ومراكز طبية عدة وهم يعانون إصابات نتيجة تعرضهم لأشعة الشمس الحارقة.
ويشرح صادق أن طبيعة عمله تفرض عليه التجول أثناء ساعات النهار برفقة عربته بطرقات العاصمة تحت حر الشمس لبيع الحلوى، مؤكداً أنه حال مكوثه في المنزل لغرض الوقاية سيموت جوعاً مع أطفاله.
تصاعد الموجة
يعتقد السكان في صنعاء أن تزايد ارتفاع درجة الحرارة من عام لآخر ناتج عن الازدحام السكاني الذي تشهده المدينة منذ بداية الحرب وما خلفته من موجة نزوح جماعي لآلاف العائلات إلى صنعاء. ويقول آخرون إن خيارهم الوحيد للوقاية من موجة الحر كان ولا يزال متمثلاً بقضاء ساعات طويلة في المسابح والمتنزهات الطبيعية.
وتأتي تلك المعاناة والشكاوى بالتزامن مع تحذير مركز الأرصاد الجوية لليمنيين من الأجواء شديدة الحرارة؛ إذ تصل في بعض مناطق اليمن درجات الحرارة العظمى إلى 45 درجة مئوية.
وتوقع المركز، أجواء حارة إلى شديدة الحرارة نهاراً في الصحارى والهضاب الداخلية، تتراوح فيها درجات الحرارة العظمى بين 36- 45 درجة مئوية، وأجواء حارة ورطبة في المناطق الساحلية، تتراوح فيها درجات الحرارة العظمى بين 33-40 درجة مئوية.
كما توقع هبوب رياح شديدة إلى شديدة جداً حول أرخبيل سقطرى تتراوح سرعتها بين 28-46 عقدة، ورياح نشطة إلى قوية على السواحل الجنوبية والشرقية ومدخل باب المندب تتراوح سرعتها بين 15-35 عقدة تعمل على اضطراب البحر وارتفاع الموج.
وكان الخبير اليمني في علم الفلك، محمد عياش، توقع في وقت سابق ارتفاعاً إضافياً في درجات الحرارة. وقال عياش، في منشور على حسابه بموقع «فيسبوك»، إن هذه الفترة ستتميز باشتداد الأجواءِ الحارة وندرة هطول الأمطار خلالها