تصاعدت حرب الاتهامات المتبادلة بالفساد بين اثنين من الأجنحة المكونة لجماعة الحوثي الانقلابية، بصورة غير معهودة من قبل، حتى باتت حديث الشارع في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، حيث ساهم صمود التهدئة الأممية في احتدام الصراع على الأموال والمناصب.
ويتصدر الجناح الحوثي الأول القيادي أحمد حامد مدير مكتب رئيس مجلس حكم الانقلابي، فيما يتصدر الجناح الآخر محمد علي الحوثي عضو مجلس الحكم وابن عم زعيم الجماعة.
وحسب مصادر وثيقة الاطلاع في صنعاء، تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، فإن الخلاف المتصاعد بين حامد والحوثي وصل مرحلة التهجم، بعد أن وجه الأخير اتهامات علنية للأول بالفساد ورعاية الفاسدين والاستحواذ على الأموال العامة وتلك المخصصة لجبهات القتال.
وأفادت المصادر بأن المواجهة الأخيرة بين الجناحين تدور حول واقعة استيلاء اثنين من المسؤولين الحوثيين على ما يعادل 200 مليون دولار.
المصادر ذكرت أن صمود التهدئة التي ترعاها الأمم المتحدة ساهم في تصعيد الصراع على جمع الأموال بين هذه الأجنحة، وأن الحوثي بات يفصح بشكل واضح عن غضبه من السلطة المطلقة التي يتمتع بها حامد من خلال إدارته لرئيسه مهدي المشاط الذي يتولى صورياً رئاسة مجلس الحكم الانقلابي.
وأصبحت الناس، وفق المصادر، تسخر بشكل واضح من ضعف شخصية المشاط، وتعرف أن حامد هو المتحكم بكل قراراته، وفي حين أن محمد الحوثي يسعى لتولي هذا المنصب إلا أن ابن عمه عبد الملك الحوثي الذي استنسخ النموذج الإيراني في الحكم، ويصف نفسه بقائد الثورة، يعارض تلك التطلعات حتى لا يقال إن سلالته تستحوذ على كل المناصب الرئيسية في تلك المناطق.
اتهام وإقالة وذكرت المصادر أن فرع جهاز الرقابة والمحاسبة الذي يديره القيادي الحوثي محمد العماد، وهو أحد التابعين لجناح محمد الحوثي، كثف من تقاريره التي تكشف جانباً من فساد جناح حامد، وأظهر أحد تقارير المراجعة الدورية للجهاز استيلاء وليد الوادعي رئيس هيئة النقل البري الحوثية على نحو 200 مليون دولار، وأن ذلك التقرير والحملة الإعلامية التي رافقته دفعا بالمشاط إلى إقالة الوادعي من منصبه الذي أمضى فيه 8 أعوام.
المصادر بينت أن الوادعي كان موظفاً في وزارة العدل، وأنه إلى ما قبل الانقلاب كان يعمل موظفاً في محكمة استئناف سيئون، إلا أن قربه من حامد دفع به إلى التعيين في رئاسة هيئة تنظيم النقل البري بدون تدرج في الوظيفة العامة، وأن الحوثي الذي خسر قبل عدة أعوام وزير المياه في حكومة الانقلاب الذي تمكن حامد من إقالته بتهمة الفساد، عاد هذه المرة للرد على تلك الخطوة ومارس نفوذه ودفع بإحالة تقرير فساد الوادعي إلى ما تسمى هيئة مكافحة الفساد، وأقيل قبل شهر من منصبه. وفيما نبهت المصادر إلى أن حامد سوف يستخدم نفوذه القوي لتمييع القضية بحكم النفوذ الذي يتمتع به لدى ما تسمى هيئة مكافحة الفساد على خلاف جهاز الرقابة والمحاسبة، توقعت هذه المصادر أن تتصاعد المواجهة بين الجناحين خلال الأيام المقبلة، مع اتساع رقعة الفساد الذي يرعاه حامد والسلطة المطلقة التي يمتلكها من خلال إدارته وتحكمه برئيس مجلس الحكم الانقلابي مهدي المشاط.
تقارير فساد معرقلة مصدر آخر على قدر كبير من الاطلاع ذكر لـ«الشرق الأوسط»، أن النسخة الحوثية من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أصدر مجموعة من التقارير كشفت عن قضايا فساد بمليارات الريالات اليمنية، لكن الصراع المحتدم بين حامد والحوثي لا يزال يحول دون إحالة هذه التقارير إلى محكمة الأموال العامة، كما ينص على ذلك القانون اليمني، ولهذا تستخدم مثل هذه التقارير في المناكفات فقط، حيث يمتلك كل جناح مجموعة من الإعلاميين الذين يخدمون توجهاته.
ووفق ما يقوله خالد العراسي، وهو مسؤول حوثي، فإن مليارات الريالات تصرف باسم دعم الجبهات، لكنها تذهب إلى حسابات معينة، ولا يصل الجبهات منها شيء، ويجزم أن بحوزته كل الأرقام والوثائق المؤكدة لذلك، مطالباً بمحاكمته إذا كان ما قاله غير صحيح.
ويورد العراسي أن أحد نواب رئيس الوزراء في حكومة الانقلاب الحوثية (غير معترف بها) استدعاه في إحدى المرات، وأبلغه أنه يدعم أحد الأشخاص، ورأى أن ذلك يكشف أنهم ليسوا مجرد شركاء في تقاسم الأموال المنهوبة، وإنما شركاء تجاريون أيضاً في عدة شركات ومؤسسات ومكاتب تجارية والإثباتات لديه، وقال: «لهذا لن يتركوا عضواً في المجموعة ليسقط».
وبات من الملاحظ خلال الفترة الأخيرة حديث الشارع في صنعاء عن الثروة الضخمة التي جمعها حامد من خلال سيطرته على كل موارد الدولة وإشرافه على ما يسمى الحارس القضائي الذي منح صلاحية مصادرة أموال المعارضين، ومن لا يقبل بدفع إتاوات كبيرة، وآخر ذلك كان الاستيلاء على شركة أنظمة تعمل وسيطاً مع الأمم المتحدة لمراقبة توزيع المساعدات والتحقق من مستحقيها.