شهد الملف اليمني موجة جديدة من التصعيد، تفتح الباب أمام العديد من سيناريوهات المواجهة بين الحكومة الشرعية والحوثيين، في الوقت الذي تمر فيه مساعي تمديد حالة وقف إطلاق النار الهشة التي تقودها سلطنة عمان، بلحظاتها الحرجة الأخيرة.
وبعد أيام من تصاعد المواجهات المسلحة بين الحوثيين والمقاومة الجنوبية، قام رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين مهدي المشاط بزيارة مفاجئة الثلاثاء إلى جبهتي الحشا في محافظة الضالع وكرش بمحافظة لحج، وفقا لوكالة الأنباء التابعة للحوثيين التي قالت إنه كان في استقباله عدد من القيادات العسكرية الحوثية، بينهم رئيس هيئة الأركان محمد عبدالكريم الغماري، وقائد المنطقة العسكرية الرابعة عبداللطيف المهدي، وقائد المنطقة العسكرية الخامسة يوسف المداني، مشيرة إلى أن المشاط اطلع “خلال الزيارة على أوضاع المرابطين في الجبهتين واستعداداتهم لأي مستجدات”.
وترافقت زيارة القيادي الحوثي مع اجتماع عقده مجلس الوزراء التابع للحوثيين، غير المعترف به دوليا، قالت وكالة الأنباء الحوثية إنه تطرق إلى المستجدات “في الجانب العسكري والوضع الداخلي في ظل تصعيد العدوان الأخير بمحافظة صعدة”.
ودأب الإعلام الحوثي في الأيام الماضية على تهيئة أنصاره لموجة جديدة من الحرب، عبر نشر مزاعم عن تعرض محافظة صعدة لقصف يومي من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية.
واعتبر مراقبون أن التصعيد الحوثي المتسارع قد يكون محاولة لتحسين شروط التفاوض الذي يمر بلحظاته الأخيرة في مسقط، كما قد يكون استعدادا فعليا لخوض مرحلة جديدة من المواجهة العسكرية الحتمية في حال فشلت مفاوضات مسقط.
وربط مراقبون بين التصعيد العسكري الحوثي باتجاه المحافظات الجنوبية، وبين التوتر المتزايد في وادي حضرموت، مؤكدين أن زيارة المشاط للجبهات على حدود محافظتي الضالع ولحج قد تكون رسالة بأن الجماعة المدعومة من إيران ستكون طرفا غير مباشر في حال نشوب أي مواجهات محتملة بين قوات المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت والقوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
وكانت القوات الجنوبية قد نفذت خلال الأيام القليلة الماضية عمليات إعادة انتشار باتجاه محافظتي أبين وشبوة، قالت إنها تهدف لتثبيت الأمن ومواجهة تنظيم القاعدة، غير أن مراقبين اعتبروا هذه التحركات العسكرية اللافتة في هذا التوقيت، على صلة وثيقة بمجريات الأحداث في وادي حضرموت، الذي يشهد موجة احتجاجات شعبية تطالب بنقل قوات المنطقة العسكرية الأولى (معظم عناصرها من المحافظات الشمالية وتتهم بالولاء للإخوان) إلى خطوط التماس مع الحوثيين وإحلال قوات النخبة الحضرمية بدلا عنها. وقال يعقوب السفياني مدير مركز ساوث 24 للدراسات في عدن في تصريح لـ”العرب” إن “استعراض القوة الذي يشهده اليمن بين أطراف الحرب، بدأ من جانب الحوثيين عبر عدد من العروض العسكرية في الحديدة وصنعاء خلال الأشهر الأخيرة، وكان الغرض الأساسي من هذه العروض تعزيز موقف الجماعة في مفاوضات الهدنة وإرسال رسائل بأنهم الطرف الأقوى عسكريا وأنهم لا يحتاجون لهذه الهدنة”.
وأضاف السفياني “في سبتمبر ردت القوات في مدينة مأرب بعرض متوسط في ذكرى ثورة 26 سبتمبر. وعلى الرغم من أن هذا العرض نظر إليه كرد على الحوثيين إلا أنه أتى في وقت ذروة الخلافات داخل المجلس الرئاسي اليمني والأنباء عن رفض العضو سلطان العرادة التنازل عن منصب محافظ مأرب الذي يحتفظ به إلى الآن”.
وتابع “مع مطلع العام الجديد، نفذت القوات الجنوبية استعراضات عسكرية على نطاق أصغر في عدن ولحج، لكنها تضمنت أسلحة وعتادا عسكريا ثقيلا. لم تنفذ القوات الجنوبية عرضا عسكريا شاملا لقواتها واكتفت بعروض منفصلة للألوية، كما دفعت بوحدات مدربة إلى أبين وشبوة”.
وحول الرسائل المحتملة التي تحملها مثل هذه الاستعراضات للقوة، قال “تتضمن العروض الأخيرة للقوات الجنوبية رسائل كغيرها من استعراضات القوة عند الأطراف المحلية الأخرى. أهم هذه الرسائل باعتقادي تأكيد القوات الجنوبية على حضورها من جديد رغم ما تعرضت له على مدى أكثر من عامين من قطع للرواتب، واستنزاف الجبهات المفتوحة مع الحوثيين وتنظيم القاعدة، بالإضافة إلى ذلك لا تنفصل هذه العروض عن الضغط الذي يمارسه المجلس الانتقالي الجنوبي باتجاه تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض وإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت. وتعتبر هذه الاستعراضات العسكرية بمثابة تلويح على خيار الحل العسكري في نهاية المطاف كما حدث في شبوة”.
وحول دلالات التصعيد الحوثي باتجاه الجنوب، تابع “من بين الجميع، التقط الحوثيون رسائل القوات الجنوبية وسارعوا بالفعل في الرد عليها عبر زيارة هي الأولى من نوعها لرئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى المشاط إلى جبهات في الضالع ولحج. وقد عزز الحوثيون خلال الفترة الماضية من قواتهم على امتداد الجبهات في هاتين المحافظتين كما تؤكد مصادر ميدانية”.
ولفت السفياني إلى أن خطة إخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت تزعج الحوثيين وقد يفتحون حربا باتجاه الجنوب مجددا للحيلولة دون ذلك، مضيفا “أسباب هذا الموقف الحوثي كثيرة ومنها الضغط الذي قد تشكله قوات هذه المنطقة إذا ما تم نقلها إلى جبهات الشمال ضد الحوثي، علاوة على الاتهامات بارتباط بعض قوات المنطقة بالحوثيين”.
وتصاعدت التوترات السياسية والإعلامية خلال الفترة الماضية بشكل لافت في جبهة الشرعية، مع عودة الخطاب المناهض للتحالف العربي من قبل قيادات إخوانية مدعومة من قطر، في حين تشير المعطيات إلى وجود تحركات إخوانية قد تتحول إلى حراك مسلح في محافظتي حضرموت والمهرة، في حال اندلعت مواجهة مسلحة بين قوات المنطقة العسكرية الأولى والقوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
وحول قراءته لأسباب استعراض القوة في اليمن، والتصعيد الحوثي باتجاه الجنوب على وقع التوتر في وادي حضرموت، قال الباحث السياسي اليمني سامي الكاف إنه بعد نتائج المشاورات اليمنية في الرياض كان من المنتظر أن تبدأ تحركات جادة من رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي وما يمثلونه من قوى سياسية وعسكرية مختلفة، باتجاه توحيد الصف ومواجهة عدوهم المشترك (الحوثيين) إما عبر الدفع نحو حل سياسي بواسطة الحوار أو حسم المعركة عسكريا.
وأشار الكاف في تصريح لـ”العرب” إلى أن “ما حدث هو انشغال هذه القوى بصراعهم في ما بينهم اتساقا مع أهدافهم المتعارضة كما حدث في أبين وشبوة أو في حضرموت الوادي الذي يشهد توترا غير مسبوق، فضلا عن تصاعد أصوات منادية باستقلال حضرموت، وهو وضع محتقن أتاح للحوثيين إعادة ترتيب صفوفهم مستغلين الهدنة أيضا، بل ووضع شروط جديدة يحاولون فرضها من خلال هجومهم بالطائرات المسيرة على مناطق جنوبية كالهجوم على ميناء الضبة النفطي بحضرموت، ربما تهيئة لجولة عسكرية مقبلة منتظرة في جبهات عدة في حال فشلت الجهود الدبلوماسية المبذولة في استمرار الهدنة لوقت أطول في محاولة للدفع بالعملية السياسية في اليمن باتجاه الحل السياسي عبر المفاوضات”