بينما يعيش ملايين اليمنيين تحت خط الفقر المدقع ويكابدون للحصول على لقمة العيش، تواصل ميليشيا الحوثي عبر ما يسمى "الهيئة العامة للزكاة" الإعلان عن مشاريع بمليارات الريالات تحت لافتات إنسانية وخيرية، في وقت تتكشف فيه حقائق مغايرة تمامًا، تؤكد أن هذه المشاريع ليست سوى غطاء لعمليات فساد ونهب مالي منظم لصالح قيادات الجماعة ومناصريها.
ففي حفل أقيم بصنعاء، الثلاثاء الماضي، دُشّنت 21 مشروعًا قالت هيئة الزكاة إنها موجهة للفقراء والمساكين والعاجزين بمناسبة المولد النبوي، بتكلفة إجمالية بلغت نحو 27 مليار ريال.
وشارك في الحفل عدد من القيادات الحوثية البارزة، بينهم القائم بأعمال رئيس حكومة صنعاء غير المعترف بها دوليًا محمد مفتاح، وسط دعاية واسعة عن "الإحسان والبر" و"مساعدة المحتاجين".
لكن خلف هذه الشعارات، تبرز شواهد متزايدة على أن الأموال المعلنة لم تُوجَّه للفقراء كما يُروّج، بل أنفق جانب كبير منها على تمويل الاحتفالات الطائفية، من شراء الزينة الخضراء والشالات والطلاء لسيارات المشاركين، في وقت تُترك فيه أسر معدمة تبحث عن طعامها في براميل القمامة.
مصادر محلية في صنعاء أكدت بدورها أن الميليشيات خصصت منذ مطلع العام الجاري ما يقارب 4 ملايين دولار لمناصريها تحت برامج مثل "الإعاشة الربعية" و"الكفالة الشهرية" لأسر قتلاها، في حين تُحرم الغالبية العظمى من اليمنيين من أي دعم فعلي.
وامتدت الاتهامات إلى قيادات في الهيئة، وعلى رأسها شمسان أبو نشطان، بالتورط في فساد مالي وإداري واسع، شمل قرارات فصل تعسفية بحق أكثر من 56 موظفة واستبدالهن بعناصر موالية للجماعة، ما أثار موجة استياء داخل أوساط العاملين.
وتكشف شهادات موظفات مفصولات أن الضغوط الممارسة عليهن لإجبارهن على الاستقالة حرمت كثيرات من مصدر رزقهن الوحيد، في وقت تُنفق فيه الهيئة الأموال على أنشطة دعائية وتدريبية تخدم أيديولوجيا الحوثيين ومشاريعهم التوسعية.
أما في الميدان، فما تزال عمليات النهب المنظمة تحت مسمى "الزكاة" مستمرة بحق المواطنين والتجار، إذ تُفرض جبايات ضخمة يتم الترويج لها بأنها ستذهب إلى "مشاريع إنسانية للفقراء"، بينما الواقع يؤكد أنها تُوجَّه لمشاريع وهمية أو لحسابات شخصية لقيادات حوثية بارزة. ويعكس هذا التناقض الصارخ بين الشعارات والواقع حجم المعاناة التي يعيشها اليمنيون، إذ تتعمّق الأوضاع المعيشية الصعبة يوماً بعد آخر في ظل غياب أبسط أشكال العدالة في توزيع هذه الأموال.
ويرى مراقبون أن ما يجري ليس سوى "هندسة مالية حوثية" تهدف إلى إعادة تدوير أموال اليمنيين المنهوبة في قنوات مغلقة، تتزين بشعارات دينية وإنسانية، لكنها في جوهرها تغذي آلة الحرب، وتثري نخبة صغيرة من قادة الجماعة على حساب ملايين الجوعى والمعدمين.