في ظل ما خلّفته الحرب الحوثية من أزمات متفاقمة، يبرز القطاع الصحي كأحد أكثر القطاعات تضررًا، خصوصًا في المناطق الجنوبية كالعاصمة عدن، التي تواجه منذ سنوات تحديات جسيمة في مواجهة الأوبئة، وسط ضغط متزايد بسبب موجات النزوح وتدهور البنية التحتية
وأعلنت السلطات الصحية في عدن مؤخرًا أن أمراض الحميات باتت تمثل تهديدًا مستمرًا ومستوطنًا في المدينة، مع تصاعد ملحوظ في أعداد الإصابات خلال الأشهر الماضية، الأمر الذي يُنذر بمخاطر صحية متزايدة، ويضع الجهات المختصة أمام تحدٍ كبير في السيطرة على الوضع.
وأوضح مدير الترصد الوبائي بمكتب الصحة العامة والسكان في عدن، الدكتور مجدي سيف الداعري، أن حميات مثل الملاريا، وحمى الضنك، والشيكونغونيا، أصبحت جزءًا من الواقع الصحي في المدينة، مشيرًا إلى أن هذا الانتشار ليس جديدًا، بل يعود إلى سنوات ماضية، مع زيادة موسمية معروفة خلال فصول معينة من العام.
ووفقًا لتصريحاته، فقد سُجِّلت منذ مطلع العام الحالي نحو 50 ألف حالة يُشتبه بإصابتها بالملاريا، إلى جانب أكثر من ألف حالة مؤكدة بحمى الضنك وغيرها من الحميات النزفية، ما أسفر عن 12 حالة وفاة، منها خمس حالات في مديرية البريقة، غربي المدينة.
أوضاع صحية مقلقة
وأشار الداعري إلى أن تدهور الوضع الصحي في عدن يرجع إلى عوامل عدة، أبرزها الكثافة السكانية المرتفعة، وانتشار العشوائيات ومخيمات النزوح، وضعف البنية التحتية للخدمات الأساسية، وهي كلها نتائج مباشرة للحرب المستمرة منذ سنوات.
وأضاف أن الفرق الصحية التابعة لمكتب الصحة تنفذ جولات ميدانية مستمرة على مدار العام، بهدف رصد البؤر الوبائية ومكافحة اليرقات في مواقع انتشار الحالات، كما تم تنفيذ حملات رش وتوعية واسعة في مختلف المديريات، بالتعاون مع برنامج الملاريا والتثقيف الصحي، شملت معظم المناطق المتأثرة، ولا تزال هذه الحملات مستمرة بشكل شبه يومي.
دعوات للوقاية والتشخيص المبكر
وشدد الداعري على أهمية التوعية المجتمعية في مواجهة هذه الحميات، داعيًا السكان إلى تجنب تراكم المياه الراكدة التي تُعد بيئة خصبة لتكاثر البعوض الناقل للأمراض، مؤكدًا أن الوقاية تبدأ من المنزل، سواء عبر التخلص من مياه المكيفات أو تغطية الخزانات والأوعية المكشوفة.
كما حثّ كل من تظهر عليه أعراض الحمى وألم المفاصل إلى مراجعة أقرب مركز صحي، وتجنب تناول الأدوية العشوائية من الصيدليات، خاصة تلك التي تحتوي على “البروفين” والتي قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة كالنزيف، في حالات الحمى النزفية.
لا أمراض جديدة.. ولكن الحذر مطلوب
واختتم المسؤول الصحي تصريحاته بالتأكيد على أن معظم الحالات المسجلة حتى الآن تعود إلى حمى الضنك والملاريا، وتم تأكيدها عبر الفحوص المخبرية، نافيًا وجود أمراض جديدة أو غير معروفة، مشيرًا إلى أن غالبية الوفيات وقعت نتيجة تأخر تلقي الرعاية الطبية، إذ يتطلب علاج هذه الحالات تدخلًا طبيًا داخل المستشفيات.
وفي ظل استمرار تسجيل إصابات جديدة، يبقى مكتب الصحة في عدن في حالة تأهب، خاصة مع تزايد الإصابات بأمراض أخرى مثل الحصبة، التي تعود أسباب انتشارها إلى انخفاض معدلات التطعيم، ما يعكس هشاشة الوضع الصحي ويؤكد الحاجة الملحة لتعزيز الإمكانات الطبية وزيادة الوعي المجتمعي في مواجهة الأوبئة.